زهد الفضيل بن عياض
من هو الفضيل بن عياض؟
هو الفُضيل بن عِيَاض بن مسعود بن بِشر التميمي اليربوعي الخراساني، ويكنى بأبي علي، ويلقب بالمجاور بحرم الله، قال عنه الذهبي: "الإمام، القدوة، الثبت، شيخ الإسلام"، ولد الفضيل بمدينة سمرقند، ونشأ وترعرع بمدينة أبيورد في خراسان، وأكثر الترحال طلباً للعلم، ويُعد الفضيل من أعلام السلف الصالح، ومن أئمة الزهد و الورع ، ومن العلماء الصادقين الذين وقفوا في وجه أهل البدع وحاربوهم.
ويُروى أن للفضيل قصةً في توبته، فقد كان قبل اشتهاره بالعبادة والصلاح والزهد قاطعاً للطريق، وفي أحد الأيام حاول الدخول إلى بيت جاريةٍ وقع في حبها، فسمع أحداً يتلو قوله -تعالى-: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ)، فلما سمع ذلك تأثر به وقال: "بلى يا رب قد آن"، فتاب من حينها وقرر أن يجاور حرم الله -تعالى- في مكة المكرمة ويمكث فيه طوال عمره، وبقي على حاله تلك من الخوف من الله -تعالى- والعبادة والزهد والورع حتى توفاه الله في مكة سنة 187 هجرية.
زهد الفضيل بن عياض
كان الفُضَيل بن عِيَاض -رحمه الله- رجلاً عالماً عابداً تقياً زاهداً، شديد الزُهد في الدنيا وزخارفها، وقد اشتُهر بذلك كثيراً، ونُقلت عنه العديد من القصص والروايات والأقوال في الزهد والورع والإعراض عن متاع الحياة الدنيا وملذاتها، وذمّ الحرص عليها والسعي وراءها، وقد كان مُنشغلاً طول حياته بالعبادة والعلم و الدعوة إلى الله ، وقد حدد مفهوم الزهد في الدنيا بأنه القناعة وعدم المبالاة بما فيها من مغريات، فقال: "لا يَسْلمُ قلبك حتَّى لا تُبالي من كلِّ الدنيا".
وكان يرى أن الإيمان لا يكتمل حتى يزهد المرء في الدنيا، بمعنى أن يقنع بما رزقه الله إياه، ويحمده على ذلك دون تطلعٍ إلى ما عند الآخرين من نعمٍ وأموال، وكان يعيب على العلماء التردد على أبواب السلاطين والحُكام ويوبخهم على ذلك، لما فيه من إذلالٍ للنفس، وإهانةٍ للعلم، وتملقٍ ومحاباةٍ، وعدم جرأةٍ على قول الحق دون خشيةٍ من أحد.
ومما يُروى في زهد الفضيل؛ أنه دخل مرةً على هارون الرشيد مع مجموعة من العلماء، ولم يكن الفضيل يعرف هارون، فسألهم: "أيُّ واحدٍ أميرُ المؤمنين؟" فأشاروا إلى هارون، فقال له الفضيل: "أنت الذي تَقلَّدتَ أمر هذه الرعية في عنقك؟ لقد تَقلَّدتَ أمراً عظيماً"، ووعظه موعظةً بليغةً، فبكى هارون بسبب تأثره بكلام الفضيل، ثم وضع هارون كيساً من المال أمام كلِّ واحدٍ من الحاضرين، فأخذوها جميعاً إلا الفضيل، رفض أخذ المال وترَكه في مكانه، فقال له سفيان بن عُيينة مُعاتباً وكان حاضراً معه: لو أنك أخذت المال يا أبا علي فأنفقته على الفقراء والمحتاجين، فقال له الفضيل مُؤنباً: أنت تقول هذا الكلام يا أبا محمد وأنت فقيه البلد؟ "والله لو طابت لأولئك لطابت لي".
ومما يروى أيضاً في زهد الفضيل بن عياض؛ أنه كان إذا ذُكر الله -تعالى- أصابته حالةٌ من الخوف والحزن الشديدين، وبدأت الدموع تهطل من عينيه، وكان إذا ذهب إلى جنازةٍ، بدأ بوعظ الناس وتذكيرهم بالآخرة وتخويفهم من عذاب الله ، والبكاء الشديد، ثم كان يجلس بين القبور والحزن يطغى عليه وهو يبكي بصمت، وكان يقول: "لو خُيّرت بين أن أُبعثَ فأدخلَ الجنة وبين أن لا أُبعث لاخترتُ أن لا أُبعث".
أقوال الفضيل بن عياض في الزهد
رُويت عن الفضيل بن عياض -رحمه الله- أقوالٌ كثيرةٌ في الزهد، نذكر منها ما يأتي:
- "ما لكم وللملوك؟ ما أعظم مِنَّتَهم عليكم! قد تركوا لكم طريق الآخرة، فاركبوا طريق الآخرة، ولكن لا ترضون؛ تبيعونهم بالدُّنيا، ثم تُزاحمونهم على الدُّنيا، ما ينبغي لعالِم أن يفعل هذا".
- "المؤمن في الدُّنيا مهمومٌ حزين، هَمُّه مرمة جهازِه، ومن كان في الدُّنيا كذلك، فلا همَّ له إلا التزوُّد بما ينفعُه عند العودة إلى وطنه، فلا يُنافس أهل البلد الَّذي هو غريبٌ بينهم في عزِّهم، ولا يجزع من الذُّل عندهم".
- "لو أن الدُّنيا بحذافيرها عُرِضت عليَّ حلالاً، لا أُحاسَب بها في الآخرة لكُنت أتقذَّرها كما يتقذَّر أحدُكم الجيفةَ إذا مرَّ بها؛ أن تُصِيب ثوبَه".
- "جعلَ الله الشرَّ كلَّه في بيت، وجعل مفتاحه حبَّ الدُّنيا، وجعل الخير كلَّه في بيت، وجعل مفاتِحَه الزُّهد في الدنيا".