رسائل جبران إلى مي زيادة
بداية مراسلات جبران إلى مي زيادة
نشأ حب من نوع خاص بين جبران خليل جبران ومي زيادة استمرّ نحو عشرين عامًا دون أن يلتقيا ولو لمرة واحدة، وعلى الرغم من ذلك ربطتهما علاقة حب وشغف وشوق قوية ظهرت معالمها في رسائل كل منهما للآخر.
وقد بدأت أولى الرسائل بينهم حين قرأت مي رواية الأجنحة المتكسرة لجبران عام 1912م، حيث كتبت له رسالة تمدح فيها فكرة وأسلوبه، وتناقشه في الوقت نفسه حول بعض آرائه عن الزواج والحب في الرواية، وقالت فيها: "إننا لا نَتفق في موضوع الزواج يا جبران، أنا أحترم أفكارك وأجل مبادئك، لأنني أعرفك صادقًا في تعزيزها، مخلصًا في الدفاع عنها، وكلها ترمي إلى مقاصد شريفة".
الحب والفتور في رسائل جبران إلى مي زيادة
لم تكن العلاقة بين جبران ومي تسير على وتيرة واحدة، إذ نجد أنّ علاقتهما تأرجحت بين مشاعر الحب العميقة، وبين فترات الفتور الشديد، وهذا ما توضحه الرسائل التي كان يرسلها جبران لمي، حيث يقول جبران في رسائله للتعبير عن حبه لمي:
"ما أجمل رسائلك يا ميّ وما أشهاها، فهي كَنهر من الرحيق يتدفق من العالي ويسير مترنمًا في وادي أحلمي، بل هي كقيثارة أورفيوس -شاعر وموسيقي في الأساطير اليونانية- تقرّب البعيد وتبعد القريب وتحول بارتعاشاتها السحرية الحجارة إلى شعلات متقدة والأغصان اليابسة إلى أجنحة مضطربة، إن يومًا يجيئني منك برسالة واحدة لهو من الأيام بمقام القمة من الجبل، فما عسى أن أقول في يوم يجيئني بثلاث رسائل؟ ذلك يوم انتحى فيه عن سبل الزمن لأصرفه متجولًا في إرم ذات العماد".
كما يقول في رسائله التي تحمل الفتور في علاقتهما: "لم يكن سكوتي في الآونة الأخيرة سوى الحيرة والالتباس، ولقد جلست مرات بين حيرتي والتباسي في هذا الوادي لأحدثك وأعاتبك ولكنني لم أجد ما أقوله لك، لم أجد ما أقوله يا مي لأنني كنت أشعر بأنك لم تتركي سبيلًا للكلام، ولأنني أحسست بأنك تريدين قطع تلك الأسلاك الخفية التي تغزلها يد الغيب وتمدها بين فكرة وفكرة وروح وروح".
التفاهم وعدمه في رسائل جبران إلى مي زيادة
كان جبران ومي يتفقان في العديد من الأمور، مثل أحقية المرأة باختيار الزوج المناسب لها دون إجبار، وأهمية المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، ومباركة الزواج المبني على الحب، ومع ذلك كانا يختلفان في العديد من وجهات النظر، فمثلًا من رسائله التي تحمل أقصى درجات التفاهم بينهما:
"ما أحسن قولكِ: إنّ كربة الوحدة وتباريحها تشتد وسط الجماهير، هذه حقيقة أولية، فكم مرة يجلس الواحد منا بين أترابه ومريديه فيحدثهم ويجادلهم ويشاركهم بالأقوال والأعمال، يفعل كل ذلك بإخلاص ومسرة، ولكن فعله لا يتعدى حدود الذات المقتبسة من عالم المظهر، أما ذاته الأخرى، ذاته الخفية، فتبقى ساكنة مستوحدة في عالم المصدر".
ومن رسائله التي تظهر كم كانا يختلفان في العديد من الأفكار في مناقشاتهم:
"الله يسامحكِ، لقد سلبتني راحة قلبي، ولولا تصلبي وعنادي لسلبتني إيماني، من الغريب أن يكون أحبّ الناس إلينا أقدرهم على تشويش حياتنا".
نهاية مراسلات جبران إلى مي زيادة
تأرجحت العلاقة بين جبران خليل جبران ومي زيادة بين الحب الجامح والفتور الشديد، وبين أقصى درجات التفاهم وأعلى درجات سوء الفهم التي كانت تؤدي بهم إلى القطيعة، لكنهما كانا في نهاية كل قطيعة يتصالحان لشدة حبهم وولع كلّ منهما بالآخر، ونلاحظ أنّ حب جبران في السنوات الأخيرة تجاه مي كان يميل إلى الحب الأبوي بما يحمله من عذوبة وحنان، وانتهت مراسلات الحب بين جبران ومي بوفاته التي كانت في 10 أبريل عام 1931م بسبب تليف شديد في الكبد.