ذنوب الخلوات
معنى ذنوب الخلوات
ذنوب الخلوات تعني اقتراف العبد للذنب في سرّه أو خلوته، وهي شكلٌ من أشكال النفاق و الرياء والخبث؛ حيث يستخفي الإنسان ويستحي بذنبه من الناس، ولا يستخفي ويستحي به من الله -تعالى-، ويظهر أمام النّاس صالحاً تقياً، فإذا خلا بنفسه بانت حقيقته واقترافه للذنوب.
قال الله -سبحانه- واصفاً أصحاب ذنوب الخلوات: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)، وهذه الذنوب على قِسمين:
- ذنوب خلوات قلبية
مِثل مَن يُظهر للنّاس محبّتهم وحبّ الخير لهم، ولكنّه في خلوته وحقيقة أمره يحسدهم ويُبغضهم، ومثل مَن يُظهر لهم أنّه صالح يخشى الله، فإذا خلا مع نفسه انتهك محارم الله وأفسد.
- ذنوب خلواتٍ فعليّة
كأن يَظهر المرْء أمام النّاس أميناً يحرص على مصالحهم، فإذا خلا سرَق ونهب أموالهم وحقوقهم.
آثار ذنوب الخلوات
إنّ من أعظم الآثار الناتجة عن ذنوب الخلوات ضياع الحسنات والأجور التي تعب العبد في تحصيلها، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديثٍ تذهل منه القلوب وتَوْجل: (لأعلمنَّ أقوامًا من أمتي يأتون يومَ القيامةِ بحسناتٍ أمثالِ جبالِ تهامةَ بيضًا فيجعلُها اللهُ عزَّ وجلَّ هباءً منثورًا).
وحينها سأل أحد الصحابة النبيّ عن وصفهم، فقال لهم الرسول: (أما إنهم إخوانُكم ومن جِلدتِكم ويأخذون من الليلِ كما تأخذون، ولكنَّهم أقوامٌ إذا خَلْوا بمحارمِ اللهِ انتهكُوها)، ولذنوب الخلوات آثار أخرى عظيمة، ونذكر منها:
- عدم تحقيق العبودية الكاملة
ذلك أنّ اكتمال العبودية يقتضي استواء ما يسرّ العبد به أمام الله وما يظهره، لِذا أوصى الرسول -صلّى الله عليه وسلم- أصحابه بتقوى الله في السرّ والعلانية، والتقوى في السرّ أصعب وأعظم ثواباً؛ فالدافع فيها هو خشية الله وحده، أمّا تقوى العلانية فيدفع المسلم فيها إلى جانب مخافة الله الخوف من الناس والفضيحة.
- نفور النّاس من صاحب هذه الذنوب
حيث قال أحد الصالحين: "ما أسَرَّ عبدٌ سريرة إلا أظهرها الله على قَسَماتِ وجهه وفلتات لسانه؛ إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشَرٌّ".
- الفشل في الاختبار وعدم الفلاح
حيث إنّ الخلوة اختبار من الله لعباده، وتظهر نتيجته في الدنيا وفي الآخرة عندما تبيّض وجوه وتسودّ وجوه، وينكشف ما كان خافياً في الدنيا عن أعين النّاس.
- محو سيئات الخلوة للحسنات
إذ إنّ ذنوب الخلوات تبدّد الطاعات التي قدّمها العبد وتجعلها كأن لم تكن، ويدلّ على ذلك الحديث النبويّ السابق.
- سببٌ لأمراض القلوب
ذلك أنّ ذنوب الخلوات تُشير إلى مرض القلب لضعف تعظيم الله، وعدم إجلاله -سبحانه- كما يليق بجلال وجهه، والاستمرار عليها يطبع على قلب صاحبه حتى يصل إلى مرحلة لا يُميّز فيها بين الحقّ والباطل.
- اليأس من الإصلاح
حيث إنّ تكرار السقوط في ذنوب الخلوات يملأ قلب العاصي باليأس، فيموت قلبه وينقطع عن التوبة، ولا أخطر من موت القلب وانعدام الندم على اقتراف المعاصي والذنوب.
- سوء الخاتمة
وفي ذلك يقول ابن رجب: " خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس"، ويقول ابن القيّم: "أجمع العارفون على أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وعبادات الخفاء هي أعظم أسباب الثبات".
كيفية التخلص من ذنوب الخلوات
لا شكّ أنّ تعظيم الله -تعالى- وإجلاله في النفس من أكثر ما يُعين على عدم الوقوع في ذنوب الخلوات، وهناك العديد من الأمور التي تُعين العبد على التخلّص من ذنوب الخلوات، ومنها ما يأتي:
- اللّجوء إلى الله -تعالى-
ويكون ذلك من خلال الإكثار من الدعاء والتضرّع إليه، وسؤاله بصرف الذنوب والمعاصي، فالله قريب يُجيبٌ دعوة عباده.
- مجاهدة النفس
والابتعاد عن وسوستها، وإرغامها على طاعة الله -تعالى- وكسب مرضاته، فالنفس أمّارة بالسوء، وجعل الله من أعظم الجهاد جهاد النفس، ووعد من يُجاهد نفسه بالهداية والصلاح، فقال -سبحانه-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا).
- التفكّر في الوعيد الشديد يوم القيامة
حيث إنّ المشهد مهول وعظيم، فإذا أتى مذنب الخلوات بمثل جبلٍ كبير من الحسنات، جعله الله هباءً منثوراً أمام الناس؛ وذلك لانتهاكه حرمات الله في خلوته.
- استشعار رقابة الله سبحانه
وأنّه رقيبٌ على عباده، ويطّلع على المسلّم في أي حالٍ كان عليه.
- تذكّر الموت دائماً
وأنّه لو جاء إلى المسلم أثناء ارتكابه للمعصية أو الذنب؛ فكيف سيُقابل ربّه وهو في ذلك الحال!
- تذكّر نعيم الجنة
وذلك من خلال التفكّر في النعيم الذي أعدّه الله لعباده الصالحين الذين جاهدوا أنفسهم في سبيله -تعالى-، فقد وعدهم الله -سبحانه- بجنّة عرضها السماوات والأرض فيها ما لذّ وطاب.
- المسارعة إلى التوبة
قال الله -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، فعلى مَن اقترف الذنوب في خلوته أن يُسارع إلى التوبة والرجوع إلى الله، ولا ييأس من رحمته، ويندم على ما فعل، ويعزم على عدم العودة إلى ما كان عليه.