ذروة سنام الاسلام
ذروة سنام الإسلام
كان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- جالساً يوماً مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فطلب إليه أن يعلّمه أمراً جديداً في دينه، فذكر له رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مجموعةً من الوصايا النبويّة، ثمّ قال له: (ألا أخبرُكَ بِرَأسِ الأَمرِ كلِّهِ وعمودِهِ، وذِروةِ سَنامِهِ؟ قلتُ: بلى يا رسولَ اللَّهِ، قالَ: رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُهُ الصَّلاةُ، وذروةُ سَنامِهِ الجِهادُ)، فاعتبر الرّسول -صلى الله عليه وسلّم- أنّ رأس الأمر الإسلام؛ وهي أركان الإسلام الخمسة، ثمّ أوضح أنّ أعلى الإسلام ، وأكثر ما يُظهره ويُعين على تطبيقه وانتشاره هو الجهاد في سبيل الله، فشبّهه بذروة السنام، وجاء من تفسير كلام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ أكثر ما يظهر من تعاليم الإسلام وشرائعه الجهاد في سبيل الله، فكما أنّ أكثر ما يظهر من الجمل ذروة سنامه، يظهر من الإسلام الجهاد، وقيل إنّ الرّسول -عليه السّلام- استعان بتشبيهه بالجمل؛ لأنه أفضل أموال العرب، وأجلّها قيمةً وقدراً.
تعريف السنام والجهاد
بيّن العلماء المقصود بالسنام والجهاد، وتفصيل ذلك على النحو الآتي:
- تعريف السنام لغةً: هو مفرد أسمنة، وهي كتلة من الشّحم محدّبة، تكون على ظهر البعير والناقة، والسنام من كلّ شيء أعلاه.
- تعريف الجهاد لغةً: يُقال الجهاد للأرض المستوية، ويُقال لبذل الوسع والجهد، ووضع الطاقة من قولٍ أو عملٍ، ويأتي الجهاد بمعنى القتال، أو الكفاح.
- تعريف الجهاد اصطلاحاً: يتعدّد تعريف الجهاد عند العلماء، والجميع اتّفق على أنّ الجهاد هو قتال المسلمين للكفار، بعد تخييرهم بين الدخول في دين الإسلام، أو دفع الجزية ، فمن امتنع عن ذلك شُرع حينئذٍ الجهاد، وكذلك فإنّ من الجهاد دفع أي اعتداء من الكفار على أرض الإسلام، وذلك إعلاء لكلمة الله -تعالى- وابتغاء مرضاته، وعرّف الحنفية الجهاد بأنّه: بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله عزّ وجلّ؛ بالنفس، والمال، واللسان، أو غير ذلك، والدعوة إلى الدين الحقّ، وقتال مَن لم يقبله، وكذلك عرّفه المالكيّة أنّه: قتال مسلم كافراً غير ذي عهد؛ لإعلاء كلمة الله تعالى، وكان تعريف الشافعية والحنابلة قريباً من ذلك.
حُكم وشروط الجهاد في سبيل الله
أوجب الله -تعالى- الجهاد على المسلمين بقوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ)، وقال أيضاً: (انفِروا خِفافًا وَثِقالًا وَجاهِدوا بِأَموالِكُم وَأَنفُسِكُم في سَبيلِ اللَّـهِ ذلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ)، وقد جعله الله -تعالى- فرض كفاية؛ إذا قام به عدد كافٍ من المسلمين سقط إثمه عن البقيّة، لكنّه قد يكون فرض عين في حالتين؛ هما:
- إذا هجم العدوّ على بلدٍ مسلمٍ؛ فإنّ وجوب الجهاد ، وقتال العدوّ فرض على أهل البلد كلّهم، فإن لم يستطيعوا دفع العدوّ؛ انتقل الوجوب إلى البلاد المجاورة حتى يُقضى على الاعتداء، ويعود السّلم والأمن في بلاد المسلمين.
- إذا أعلن الحاكم النفير العام كان وجوب النفير على جميع المسلمين، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (وإذا استُنفِرتم فانفِروا).
ولأنّ الجهاد في سبيل الله مبنيّ على المشقّة والجهد، فقد كان هناك شروط للمكلّفين فيه، إذا تغيّر أحد هذه الشروط سقط الجهاد عن المسلم ، ومن هذه الشروط:
- الإسلام؛ فلا يصحّ الجهاد من كافر، فقد تبع مشرك الرسولَ الله -صلّى الله عليه وسلّم- في غزوة بدر ، فرفض رسول الله الاستعانة به.
- العقل؛ لأنّ المجنون غير مكلّف بتكاليف الإسلام ، فقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (رُفِع القلمُ عن ثلاثةٍ: عن المجنونِ المغلوبِ على عقلِه، وعن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يحتلِمَ).
- البلوغ؛ فلا يجب الجهاد على مَن هو دون البلوغ، فقد سأل عبد الله بن عمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن يشارك معه في غزوة أحد وهو ابن أربعة عشر سنة، فلم يُجز له رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المشاركة، وكذلك استأذنه أسامة بن زيد، وزيد بن ثابت، وغيرهما في بدر ، فلم يجز لهم المشاركة في القتال، بل جعلهم حرساً لخيمة الذراري والنساء.
- الذكورة؛ فلا يجب الجهاد على النساء.
- القدرة على مؤنة الجهاد؛ فمن استطاع أن يحصّل نفقة الجهاد من سلاح، وتأمين نفسه وأهله من خلفه، فيجب عليه الجهاد، ومن لم يستطع فليس عليه شيء، قال الله تعالى: (وَلا عَلَى الَّذينَ لا يَجِدونَ ما يُنفِقونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحوا لِلَّهِ وَرَسولِهِ ما عَلَى المُحسِنينَ مِن سَبيلٍ وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ).
- السلامة من العجز؛ فمَن كان به مرض، أو أي نوع من أنواع العجز سقطت عنه فرضيّة الجهاد، قال الله تعالى: (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ).
وقد أسقط العلماء فرضيّة الجهاد إذا كان فرض كفاية على من لم يأذن له والديه بالنفير للجهاد، وكذلك المدين إذا لم يأذن له دائنه، وقال الشافعيّة والحنابلة بكراهة النفير للجهاد دون إذن الإمام أو من ولّاه الإمام.
فضل الجهاد في سبيل الله
أعدّ الله -تعالى- للمجاهدين في سبيله أجوراً وأفضالاً عظيمة، منها:
- جعل الله -تعالى- الجهاد في سبيله هو التجارةُ الرابحة عنده، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ*تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
- يعدّ الجهاد أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله ورسوله، حيث قال الرسول حين سُئل أي العمل أفضل: (إيمانٌ باللهِ ورسولهِ، قيل: ثمّ ماذا؟ قال: الجهادُ في سبيلِ اللهِ، قيل: ثمّ ماذا؟ قال: حَجٌ مبرورٌ).
- أعدّ الله -تعالى- للمجاهدين في سبيله أعلى الدرجات في الجنّة .
- إنّ الغدوة والروحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها؛ لعظيم أجرها عند الله سبحانه.
- أذن الله -تعالى- لأرواح الشهداء في سبيله أن تهنأ في الجنة؛ فالشّهيد لا يموت، كما قال الله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).