دور البارودي في إحياء الشعر العربي
دور البارودي في إحياء الشعر العربي
ارتقى البارودي بكلمته في الطرح، وخلّص الخيال من التقليد وكانت قصائده زاخرة بالعاطفة مليئة بالحياة ناطقة بحال صاحبها فهو باعث الحركة الأدبية في العصر الحديث، واستطاع محاكاة الشعر القديم وسار على نهجه وحطم القيود المحيطة به، وأثبت أن اللغة العربية ما زالت تنبض بالحياة وأن أسباب ضعفها إلى زوال.
هيّأ لذلك موهبته الفطرية، وتعليمه في بيئة صحيحة وقراءاته للشعر القديم وحفظه له وخبراته المتعددة فهو ابن الحياة وليس منفصلًا عنها، وكذلك أسفاره واطّلاعه على الآداب الأجنبية ويظهر دور البارودي الفعلي في إحياء التراث فيما يأتي:
- حافظ على وحدة الوزن و القافية لكن موسيقاه كانت سلسة رنّانة.
- انتقل من العاطفة الباردة في قصائد عصر الضعف إالى الحيوية ومحاكاة الذات.
- انطلق في استخدام الصور الشعرية .
- استخدم الصور الحركية والمسموعة في وصفه للطبيعة وللمعارك وحنينه لمصر.
البارودي رائد مدرسة البعث والإحياء
قاد البارودي مدرسة شعرية كان له فيه أتباع وزملاء وتلاميذ، سمّيت بمدرسة الإحياء والنهضة، فقد أحيت الشعر العربي وأعادت له تألقه من بعد ضعف، وهي حركة شعرية ظهرت في بدايات العصر الحديث وقد قام شعراؤها باتّباع نهج الشعراء الأوائل من جاهليين وإسلاميين وأمويين وعباسيين وحذوا حذوهم من حيث الحرص على وحدة البحر الشعري في القصيدة الواحدة ووحدة حرف الرويّ والقافية، وسلامة اللغة وجزالة اللفظ.
استفاد الشعراء من تجارب البارودي وأدبه وشعره عن طريق المشافهة والمراسلة ومتابعة إنتاجه الأدبي فأكملوا ما بدأ به وزادوا عليه، وقد حرص أتباع هذه المدرسة على تقليد الأقدمين في الأغراض الشعرية من مدح ورثاء وغزل وبكاء على الأطلال وابتداء قصائدهم بالغزل التقليدي، والديباجة الرصينة ومن ثم تعدد الأغراض في القصيدة الواحدة.
كما كان يفعل الشاعر القديم فينتقل من غرض إلى غرض من حكمة إلى وصف إلى مدح إلى رثاء دون الاهتمام بالوحدة الموضوعية للقصيدة، وكثرت عند أتباع هذه المدرسة المعارضات الشعرية وهي نظم قصائد تحاكي قصائد لشعراء سابقين على نفس موضوعها وعلى نفس القافية والبحر الشعري وحرف الرويّ.
ساهمت هذه المدرسة بشعرائها ومنهم: (البارودي، أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، الجواهري، الزهاوي، شكيب أرسلان) بالارتقاء بالقصيدة العربية من حيث الشكل والمضمون وذلك فيما يأتي:
- الاهتمام بتنوع الأغراض مع المحافظة على الاستفادة من التراث ومناسبة روح العصر.
- الاهتمام بجودة الصياغة وروعة البيان والموسيقا.
- التعبير عن روح العصر ومشكلاته.
- الإتيان بأغراض شعرية جديدة لم يعرفها الشعر العربي من قبل مثل الشعر المسرحي ، والملحمة الشعرية مثل (الإلياذة الإسلامية لأحمد محرم) والشعر الوطني.
البارودي شاعر السيف والقلم
كان لنشأة البارودي في عائلة تمتلك الجاه والسلطة أثر في نبوغه وبلاغته، وقد كان من أسرة تمتد في أصلها إلى المماليك الذين حكموا مصر، وتلقّى تعليمًا أهلّه للتفرّد، وشارك في السياسة والمعارك الحربية حتى نفي ممّا سبب له الأسى والشجن.
أقدم البارودي على دراسة التراث الشعري القديم وحاكى القدماء وحاول مجاراتهم ووظّف تجاربه السياسية وتجربة النفي وفروسيته ومشاعره المضطربة بسبب خوضه معترك السياسة، واعتزازه بمكانته وأسرته بطلاقة وحسن تعبير فانطلقت قريحته محاولًا تقليد فحول الشعراء.
واستفاد الشاعر من أساليب الأقدمين وحسن صياغتهم وصورهم البيانية وجاراهم في الوصف والحكمة والوقوف على الأطلال وطريقة نسجهم لقصائدهم، وقد أجاد البارودي الإنجليزية والتركية والفارسية إضافة إلى العربية، وتتلمذ على يد الشيخ حسين المرصفي، وقد اعتزل البارودي السياسة وفتح بابه للشعراء والأدباء يسمع منهم ويسمعون منه.
آثار البارودي الأدبية
للبارودي ديوان شعر مطبوع في 4 أجزاء و5000 آلاف بيت، وقد أصدر كتابًا آخر سمّاه (مختارات البارودي) اختار فيه أشعارا من فحول الشعر العباسي وفيه تقريبًا 40 ألف بيت، وله كتاب (قيد الأوابد) الذي سجلّ فيه خواطره. وقد لقّب محمود سامي البارودي بشاعر السيف والقلم.
كانت كل قصيدة له تعبر عن انفعالاته ومشاعره بأسلوب رصين؛ فقد عبّر في أشعاره عن الفخر والغزل و الهجاء والرثاء والحماسة والحكمة وكان في أشعاره الثائر المنتفض على الظلم والمنفي المشتاق للوطن، والصديق الوفي والزوج الحنون والأب الرحيم.