كيفية صلاة قيام الليل والشفع والوتر
كيفيّة صلاة قيام الليل والشفع والوتر
كيفيّة صلاة قيام الليل
عدد ركعات صلاة قيام الليل
لم يرد شرعاً تعيينٌ لعدد ركعات صلاة قيام الليل، ومن هنا فقد تعدّدت اجتهادات أهل العلم في حدّها الأعلى، وبيان ذلك فيما يأتي:
- الحنفيّة: قالوا إنّ أكثرها ثمان ركعاتٍ، وتُكرَه الزيادة على ثمانية.
- المالكيّة: قالوا إنّ أكثرها عشر ركعاتٍ، وقِيل اثنتا عشرة ركعةً؛ وذلك لما ثبت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه: (كانَ يُصَلِّي باللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ منها بوَاحِدَةٍ)، ورُوِي كذلك عنه -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان يصلّي ثلاث عشرة ركعةً، آخرهنّ ركعة الوتر، ويمكن الجمع بين الروايتَين بأنّ رسول الله كان يفتتح صلاة القيام بعد وضوئه بركعتَين؛ اعتبرهما تارةً ركعتَي الاستفتاح بعد الوضوء من قبيل سُنّة الوضوء، وتارةً اعتبرهما من قبيل قيام الليل.
- الشافعيّة: ذهبوا إلى القول بأنّه لا حصر لعدد ركعات قيام الليل ، فللمسلم أن يُصلّي ما شاء.
- الحنابلة: ذكر ابن قدامة تعدُّد الروايات في عدد ركعات القيام؛ ففي رواية أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لم يزد في صلاة الليل على ثلاث عشرة ركعةً يشملن ركعة الوتر وركعتَي الفجر ، فيكون مجموع ركعات القيام بذلك عشر ركعاتٍ، وفي روايةٍ أخرى أنّه -عليه الصلاة والسلام- لم يزد في ليالي رمضان أو غيره على إحدى عشرة ركعةً، مُقسَّمةً إلى أربع ركعات قيامٍ، ثمّ أربعٍ مثلهنّ، يليهنّ ثلاث ركعات وترٍ، ويُمكن الجمع بين الروايتَين بأنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صلّى في ليالٍ إحدى عشرة ركعةً، وصلّى في ليالٍ أخرى ثلاث عشرة ركعةً.
صفة صلاة قيام الليل
ينوي المسلم الذي يريد قيام الليل قبل نومه الاستيقاظ لهذه الغاية، فإن غلبه النوم ولم يقم، حاز أجر النيّة الحَسَنة، وإن استيقظ فإنّه يقوم ذاكراً لله، ويتوضّأ، ثمّ يبدأ صلاة القيام بركعتَين خفيفتَين؛ لِما روته أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ، افْتَتَحَ صَلَاتَهُ برَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ)، ثمّ يُصلّي ركعتَين، ويُسلّم، ويُتبِعهما بركعتَين، ويسلّم، وهكذا؛ وقد استدلّ أهل العلم بما صحّ عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أنّه قال: (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى)، وللمُصلّي أن يجهر بالقراءة في صلاة القيام، أو يُسِرّ؛ لِما ورد عن النبيّ - عليه الصلاة والسلام- من جَهره بالقراءة في أحيانٍ، وإسراره في أحيانٍ أخرى، ويُفضَّل الجهر إن كان أدعى للخشوع، أو كان عند المُصلّي من يستمع له، كما يُفضّل الإسرار في حضرة غيره من قائِمي الليل، أو إن تضرَّر أحدٌ من الصوت.
ويُستحَبّ لمَن قام لصلاة القيام أن يُوقِظ أهله، ويجوز لِمَن يُصليّ القيام أن يُصلّيه جماعةً، أو منفرداً؛ لورود الأمرَين عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إذ إنّه صلّى القيام في جماعة ، وصلّاها منفرداً، على الرغم من أنّ غالبيّة صلاته للقيام كانت وهو منفرد، ويُستحَبّ أداء صلاة القيام في البيت؛ لِما جاء عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في كَوْن الصلاة في البيت فيما سوى صلاة الفرض أفضل؛ إذ روى زيد بن ثابت -رضي الله عنه- عن رسول الله أنّه قال: (فَعلَيْكُم بالصَّلَاةِ في بُيُوتِكُمْ، فإنَّ خَيْرَ صَلَاةِ المَرْءِ في بَيْتِهِ إلَّا الصَّلَاةَ المَكْتُوبَةَ)، كما يُستحَبّ ألّا ينقطع المسلم عن القيام ولو بعدد قليل من الركعات؛ فإن نَشِطَ على القيام، طوّل الركعات، وإن لم يَنشط، خفّف منها.
كيفيّة صلاتَي الشفع والوتر
بناءً على ما سبق بيانه من تعريف الشَّفع والوتر، تتّضح كيفيّة أدائهما؛ فإنّ أقلّ الوتر ركعةٌ؛ لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فيما رواه عنه عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: (الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِن آخِرِ اللَّيْلِ)، فإن صلّى المسلم آخر ما يُصلّي في ليلته ركعةً، فقد أدّى الوتر، ويُمكن له أن يُصلّيها ثلاث ركعاتٍ، فإن أدّى ركعتَين، وسلّم، ثمّ أتى بواحدةٍ، فإنّه يكون بذلك قد أدّى الشَّفع والوتر، وله أن يأتي بالركعات الثلاث مُتّصلات، على أن يأتي بتشهُّدٍ واحدٍ في الركعة الأخيرة، ويُسلّم؛ فلا يقرأ بعد الركعة الثانية التشهُّد؛ كي لا تشتبه بصلاة المغرب، وخلافاً لهذا الرأي يرى الحنفية أنْ يجلس المصلي بعد الركعة الثّانية فيتشهّد ولا يسلّم، بل يقوم للركعة الثّالثة ويسلّم بعدها، فتكون في الهيئة كصلاة المغرب، إلاّ أنّها تختلف عنها بأنْ يقرأ في الثّالثة سورةً بعد الفاتحة.
تعريف قيام الليل والشفع والوتر
تعريف قيام الليل
شرع الله -تعالى- جملةً من العبادات يتقرّب بها العباد إليه، ومن بين تلك العبادات قيام الليل، وهو: إمضاء المسلم الليل، أو جزءٌ منه، ولو ساعة واحدة في الصلاة، أو غيرها من القُربات، كقراءة القرآن، أو الذِّكر، ويُعَدّ التهجُّد من العبادات ذات الصِّلة بقيام الليل؛ فهو يعني: القيام من النوم في الليل للصلاة، وبهذا المعنى يكون داخلاً في قيام الليل، إلّا أنّ قيام الليل أعمّ من التهجُّد ؛ لأنّ القيام لا يقتصر على الصلاة فحسب؛ فقد يكون بقراءة القرآن، أو الذِّكر كما سبق.
تعريف الشفع والوتر
يقترن في كثيرٍ من الأحيان ذِكر الشَّفع بذِكر الوتر، وفيما يأتي تعريف كلٍّ منهما في اللغة والاصطلاح:
- الشَّفع والوِتر في اللغة:
- الشفع: مُشتَقّ من الجذر اللغويّ (شَفَعَ)؛ والشين والفاء والعين أصلٌ صحيحٌ دالٌّ على قَرْن الشيء بشيءٍ آخرٍ؛ أي أنّ الشَّفع خِلاف الوتر، يُقال: كان فرداً فشفعته، وشفاعة فلانٍ لفلان تعني: أن يجيء ثانيةً مُعيناً له، ومُتلمِّساً مَطلبه.
- الوتر: مُشتَقّ من الجذر اللغوي (وَتَرَ)، والوتر بكسر الواو، أو فتحها؛ الفَرْد، والأعداد شفعٌ، ووترٌ، والوتر من العدد الفرد، ومن ذلك قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في صلاة العصر: (مَن فَاتَتْهُ العَصْرُ، فَكَأنَّما وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ)؛ أي كأنّما نقص أهلُه ومالُه، وبَقِي وحده فرداً.
- الشَّفع والوتر في الاصطلاح: إنّ للمعنى الاصطلاحيّ لصلاة الشَّفع والوتر صِلةً بمعناهما اللغوي؛ فقد ذهب العلماء إلى أنّ المسلم إن أدّى صلاة الوِتر؛ وهي بركعاتٍ فرديّةٍ؛ ركعةً واحدةً، أو ثلاث ركعاتٍ متّصلاتٍ، فإنّ صلاته تكون وتراً، أمّا إن صلّى ركعتَين، ثمّ أتبعهما بركعة وترٍ، فإنّ هاتَين الركعتَين تُسمّيان شَفْعاً، والركعة الفرد التي تليهما تُسمّى وتراً، وعلى ذلك فإنّ صلاة الوتر هي الركعات الفرديّات التي تُختَم بها صلاة الليل؛ سواءً كانت تلك الصلاة في أوّل الليل، أو وسطه، أو آخره، وقد حثّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على جعل الوتر ختاماً لصلاتهم، وذلك في قوله: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ باللَّيْلِ وِتْرًا)، فإذا سُبِقت ركعة الوتر الفرديّة بركعَتين، سُمِّيت الركعتان شَفْعاً.
فضل القيام والشفع والوتر
يترتّب فَضْلٌ عظيمٌ على صلاة الليل، يحوزه من أدّاها وحَرِص عليها، ويتمثّل الفَضْل في أمورٍ كثيرةٍ، منها:
- أنّ قيام الليل دأب المُتّقين والصالحين من المؤمنين، وقد وصفهم الله -تعالى- بذلك، ومدحهم لقيامهم الليل في مواطن كثيرةٍ، منها قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا).
- أنّ في المداومة على قيام الليل اقتداءً بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فقد كان يقوم الليل حتّى تتورّم قدماه؛ كما روت أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ).
- أنّ الله -تعالى- رتّب ثواباًً جزيلاً، ونعيماً عظيماً في الجنّة لمَن يُقيم الليل؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطْعِمُوا الطَّعامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).
- أنّ صلاة الليل تفضُلُ صلاة النهار -فيما سوى الفرائض-؛ كما جاء في حديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ)؛ إذ إنّ الليل وقتٌ تتنزّل فيه السكينة والرحمات، وأحرى أن تُجاب فيه الدعوات.