دلالة الاستفهام في الشعر
دلالة الاستفهام في الشعر العربي
يعرف الاستفهام بأنه طلب العلم بشيء لم يكن معلوماً من قبل بأداة خاصة، ولكن أدوات الاستفهام قد تخرج عن معانيها الأصلية إلى معان أخرى على سبيل المجاز تفهم من سياق الكلام وقرائن الأحوال، ومن هذه المعاني التي تحتملها ألفاظ الاستفهام في الشعر ما يأتي:
النفي
ذلك عندما تجيء لفظة الاستفهام للنفي لا لطلب العلم بشيء، ومنه قول أبي فراس في رثاء أمه:
إلى من أشتكي؟ ولمن أناجي
- إذا ضاقت بما فيها الصدور
بأي دعاء داعية أوَقي؟
- بأي ضياء وجه أستنير؟
وقول المتنبي:
ومن لم يعشق الدنيا قديماً؟
- ولكن لا سبيل إلى الوصال
التعجب
عندما يكون الغرض من السؤال التعجب، ومن ذلك قول المتنبي :
أمعفّر الليث الهزبر بسوطه
- لمن ادخرت الصارم المسلولا؟
وقوله وقد أصابته الحمى:
أبنت الدهر عندي كل بنت
- فكيف وصلت أنت من الزحام؟
التمني
عندما يكون السؤال موجهاً إلى من لا يعقل، ومن ذلك قول أبي العتاهية:
تذكر أمين الله حقي وحرمتي
:::وما كنت توليني لعلك تذكر
فمن لي بالعين التي كنت مرة
:::إليّ بها في سالف الدهر تنظر؟
وقول الشاعر قيس بن الملوح:
أسرب القطا هل من يعيرجناحه؟
- لعلي إلى من هويت أطير
التقرير
حمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه إثباتاً ونفياً لغرض من الأغراض، ومن ذلك قول الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا
- وأندى العالمين بطون راح؟
التعظيم
ذلك باستخدام الاستفهام للدلالة على ما يتحلى به المسؤول عنه من صفات حميدة، ومن ذلك قول الشاعر:
من للمحافل والجحافل والسّرى؟
- فقدت بفقدك نيراً لا يطلع
ومن اتخذت على الضيوف خليفة؟
- ضاعوا، ومثلك لا يضيّع
التحقير
ذلك عندما يخرج الاستفهام عن معناه الأصلي للدلالة على ضآلة المسؤول عنه وصغر شأنه، ومه قول الشاعر:
أتظن أنك للمحاسن كاسب
- وخبيّ أمرك شرة وشنار؟
الاستبطاء
ذلك عندما يخرج الاستفهام عن معناه الأصلي للدلالة على بُعد زمن الإجابة عن بُعد زمن السؤال، ومنه قول أبي العتاهية:
حَتّى مَتى أَنتَ في لَهوٍ وَفي لَعِبٍ؟
- وَالمَوتُ نَحوَكَ يَهوي فاغِراً فاهُ
ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدرِكُهُ
- رُبَّ اِمرِئٍ حَتفُهُ فيما تَمَنّاهُ
الاستبعاد
وهوعد الشي بعيداً حساً أو معنى، وقد يكون مكروهاً غير منتظر أصلاً، ومنه قول جرير في رثاء ابنه:
قالوا نَصيبَكَ مِن أَجرٍ فَقُلتُ لَهُم
- مَن لِلعَرينِ إِذا فارَقتُ أَشبالي؟
للاستفهام دلالات أخرى
ويرى بعض البلاغيين أن الاستفهام قد يخرج إلى معان أخرى، ومن ذلك الآتي:
التحسر
يرد الاستفهام بمعنى التحسر والتألم في مقام يظهر فيه المستفهم حزنه وتألمه على ما فاته، ومن ذلك قول حافظ إبراهيم في وصف الحريق:
سائِلوا اللَيلَ عَنهُمُ وَالنَهارا
- كَيفَ باتَت نِسائُهُم وَالعَذارى؟
كَيفَ أَمسى رَضيعُهُم فَقَدَ الأُم
- مَ وَكَيفَ اِصطَلى مَعَ القَومِ نارا؟
التهويل
من ذلك قول ناصيف اليازجي:
نار وما أدراك ناري ما هيي
- نار يؤججها هواك يمانيا
الوعيد والتهديد
كقولك لمن يسيء إليك: ألم أحذرك من هذا؟ ومنه قول زيد الخيل الطائي:
ألم أخبركما خبراً أتاني
- أبو الكساح جدّبه الوعيد
أتاني أنهم مزقون عرضي
- جِحاش الكرملين لها فديد
الإنكار
ويرد الاستفهام الاستنكاري على نوعين هما:
الأول: استفهام استنكاري للتوبيخ
هو إنكار وتوبيخ على أمر حدث في الماضي، ولوم وعتاب للمخاطب على وقوعه، ومعناه: ما كان ينبغي أن يقع، وهو نحو قول امرئ القيس:
أَغَرَّكِ مِنِّيْ أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي
- وَأَنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ
والمعنى: ما كان ينبغي أن يغرك حبي لك، وتعتقدي أني متيم في هواك.
الثاني: استفهام استنكاري تكذييبي
ويسمى أيضاً بالإنكار الإبطالي، إذا كان التكذيب في الماضي، أي لأمر اعتقده المخاطب، ويزعم أنه قد وقع، كان الاستفهام بمعنى: لم يكن، وإذا كان في المستقبل، أي لأمر لم يقع والمخاطب يعتقد أنه سيقع، كان بمعنى: لن يكون، ومنه قول امرئ القيس:
أَيَقتُلُني وَالمَشرَفِيُّ مُضاجِعي
- وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كَأَنيابِ أَغوالِ
وَلَيسَ بِذي رُمحٍ فَيَطعَنُني بِهِ
- وَلَيسَ بِذي سَيفٍ وَلَيسَ بِنَبّالِ
فهو يكذب إنساناً توعده بالقتل وينكر أن يقع منه ذلك والمعنى: لن يكون.