خير الناس أنفعهم للناس
حديث خير الناس أنفعهم للناس وصحته
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ)، وفي روايةٍ أخرى قال: (أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، و أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، و لأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، و مَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، و مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، و لَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، و مَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ)، وبيان ما يتعلّق بالحديث من المعاني والفوائد فيما يأتي.
معنى الحديث
يُقدِّم الناسَ النَّفع للناسِ من خلال الإحسان إليهم، وتقديم المساعدة والنَّفع لهم، وإبعاد الضَّرر عنهم سواء في دينهم أو دنياهم، لكنَّ الأمور التي تُفيدهم في دينهم أبقى أثراً وأدوم نفعاً وأعظم أجراً، وهذه الصفات من صفات المؤمن، فالمؤمن يُقدِّم النفع لغيره على الدوام.
ولعلّ الناس قد غفلوا عن مثل هذه الأعمال، وانشغلوا بغيرها من العبادات ؛ كالصلاة، والقرآن، والقيام، ويتقاعسون عن مساعدة غيرهم والسعي في مصالح الآخرين، ويعتقدون أنّها لا تعود عليهم بالنفع العظيم، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ)، وكذلك قال: (السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوِ القائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهارَ)، ويُعدُّ ذلك مما يزيد من المحبَّة بين الناس، ويُقوّي أواصر الأُلفة والمودَّة بينهم، كما يُعزّز مبدأ التكافل الاجتماعي في الإسلام ، ويُساعد على تكوين مجتمع يتخلّق بالأخلاق الحميدة.
فوائد الحديث
وصف رسول الله في الحديث أنّ الذي يُقدِّم المعروف للناس هو من أخيرهم، وهو صاحب الأعمال الصالحة التي يُحبُّها الله -تعالى-، والتي تُدخل السّرور إلى نفس فاعلها وإلى الآخرين، بخلاف من يقتصر خيره على نفسه، فالحديث الشريف يدعو إلى المبادرة واستغلال الأوقات واغتنامها في فعل الخير ، ومن لم يستطع أن يُقدّم الخير فليحرص على تجنّب الضّرر، وإن كان الهدف تقديم النفع للنَّاس فإنّ الحاكم العادل هو أكثُر من يُقدّم الخير والنَّفع للنَّاس، حيث إنّ خَيره يَعُمّ رعيَّته كلّها.
طرق ووسائل نفع الناس
تقديم النَّفع للناس لا يُشترط فيه أن يكون مادياً وحسب، بل يَمتدّ ليشمل النّفع المعنوي؛ كالنفع بالعلم، وتقديم النّصحية ، والمشورة السليمة، ةغير ذلك، فكلُّ خير يُمكن للمسلم أن يقدّمه للآخرين يدخل ضِمن نفعهم. وفيما يأتي أبرز وجوه النفع التي يحرص المؤمن على التحلّي بها ونفع غيره فيها:
نفع الناس بقضاء حاجاتها
إنَّ من وجوه نفع الناس مثلا: قضاء الديون عنهم، والإحسان إليهم بالمال، من خلال تقديم المال لهم وسدّ ديونهم بقدر الاستطاعة، وزيارة مريضهم، وإطعام جائعهم، وتقديم المعروف والصدقة لفقرائهم، وغير ذلك الكثير من وجوه الإحسان للغير وقضاء حوائجهم، والله -تعالى- يُحبّ من يسعى في قضاء حوائج الناس، ويُدخله في معيّته، كما أنّ السعي في قضاء حوائج الناس بابٌ عظيمٌ من أبواب التعاون على الخير، ووحدة أفراد المجتمع، ونشر المحبّة بين الناس، عدا عن الأجر العظيم المترتّب على ذلك في الآخرة.
نفع الناس بتعليمهم الخير
قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في من يُعلِّم الناس الخير: (إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةِ في جُحرِها وحتَّى الحوتِ ليصلُّونَ على مُعلِّم النَّاسِ الخيرَ)، فمن يُعلّم النّاس الخير يتعدّى نفعه إلى غيره، فيكون أعظم جراً، وقد وصف الغزالي المُعلِّم بأنَّه المتصرّف في قلوب البشر ونُفوسهم، ثمّ إنَّ تعليم النّاس هو أعظم وأشرف ما يفعله الإنسان، وأجلُّ هذه العلوم العلوم الدينية، ثم يأتي بعدها العلوم الأخرى كلٌّ بحسب أهميّته وحاجة الناس إليه، وقد كان رسول الله خير مُعلِّم للناس، ومن يقوم بالدعوة فقد اقتدى به، وحَرِصَ على تعليم الناس الخير، وقام بمثل ما قام به -صلّى الله عليه وسلّم-.
نفع الناس بالنصيحة والمشورة عند القدرة
ينبغي على من يَليَ أمور الأمّة أن يُقدّم لهم النّصيحة، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما مِن عَبْدٍ اسْتَرْعاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْها بنَصِيحَةٍ، إلَّا لَمْ يَجِدْ رائِحَةَ الجَنَّةِ)، وتتحقَّق النّصيحة بالمشورة لفعل الخير واجتناب الضرر والشرِّ، وهذه هي سُنّة أنبياء الله ورسله، قال -تعالى-: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ).
وقد وصف رسول الله النصيحة بأنّها الدّين كلّه، وما ذلك إلّا لِأهميتها وعظيم شأنها، وعمومها وشمولها، فهي عماد الدين وأساسه، ومنها ما أخبر به جبريل -عليه السلام- رسول الله عن الإسلام والإيمان والإحسان، ثمّ أخبر رسول الله أصحابه في نهاية الحديث أنّ الدّين النّصيحة، فوصف الدّين كلّه بأنَّه النّصيحة، لأنها عامّة شاملة للدّين كلّه، لذا كانت النّصيحة مطلوبةً شرعاً، لتوجيه النّاس إلى الطريق المستقيم.