خير الزاد التقوى
تعريف التقوى
عرّف العلماء لفظ التقوى لغةً واصطلاحاً كما يأتي:
تعريف التقوى لغةً: التقوى اسم من الفعل اتقى، والتقوى هي الخشية والخوف.
تعريف التقوى اصطلاحاً: هي الخوف من الله -تعالى- سرّاً وجهراً، وعرّفها بعض العلماء بأنّها جعل وقاية بين المرء وبين معصية الله -تعالى- وغضبه تحول دون الوقوع في المحرّمات، حيث سئل رجلاً عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- عن التقوى فقال: (أما سلكت طريقاً ذا شوك، قال: بلى، قال: فما عملت، قال: شمّرت واجتهدت، قال: فذلك التقوى).
خير الزاد التقوى
قال الله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ)، حيث وردت الآية السابقة وسط آيات الحجّ في سورة البقرة، وسببُ نزولها أنّ بعضاً من النّاس كانوا إذا قصدوا الحجّ صعُب عليهم أن يتزوّدوا، وبعضهم تواكل على ربّه -عزّ وجلّ- فخرج دون زاد، فإذا وصل مكّة وبدأ المناسك صار يتكفّف الناس، حيث حثّت الآية السابقة النّاس على أن يتزوّدوا بما يحتاجون في طريقهم من زاد وطعام، ثمّ ذكّرتهم بأنّ خير الزاد الذي يُعين المسلم هو الزاد المتمثّل بتقوى الله تعالى، وذُكر في تفسير ابن كثير أنّ الله -تعالى- لمّا أمر الناس بالزاد في الدنيا للسفر ذكّرهم بزاد الآخرة المتمثّل بالتقوى، وكذلك في موضعٍ آخر من القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: (قَد أَنزَلنا عَلَيكُم لِباسًا يُواري سَوآتِكُم وَريشًا وَلِباسُ التَّقوى ذلِكَ خَيرٌ)، فعندما ذُكر اللباس الحسيّ في الدنيا ذُكر اللباس المعنويّ الذي يحتاجه الناس دائماً؛ وهو تقوى الله تعالى، ولأهميّة تقوى الله -تعالى- وفضلها ورد ذكرها في القرآن الكريم في مئتين وثمانٍ وخمسين موضعاً، وكلّ المواضع تحثّ المسلم على تحقيق التقوى في قلبه وتذكّره بفضلها وثمراتها، ومن الآيات التي توصي بتقوى الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، وقوله أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
صفات المتقين
يتّصف أهل تقوى بعدّة صفات تميّزهم عمّن سواهم من الناس، منها:
- الإيمان بالغيب إيماناً لا شكّ فيه ولا لَبْس، حيث قال الله تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
- العفو والصفح عمّن أساء لهم، قال الله تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).
- عدم الإصرار على الذنب حتى لو وقعوا فيه، حيث وصفهم الله -تعالى- بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ).
- تحرّي الصدق في الأقوال والأعمال، وتميّزهم بتصديق المرسلين من الله تعالى، قال الله سبحانه: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
- تعظيم شعائر الله، حيث قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).
فضائل وثمار التقوى
إذا حقّق المسلم تقوى الله في قلبه كما يرضي الله -سبحانه- فإنّ ذلك يعود إليه بعدّة فضائل وثمار، منها:
- الفرج من كلّ ضيق والسعة في الرزق ، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
- تيسيير الأمور للعبد، بحيث لا يقابل أي مشقّة أو عسر في الأمور، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا).
- تيسيير العلم النافع الذي يفرّق به العبد التقي بين الحلال والحرام، وبين الحقّ والباطل، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا).
- نيل محبّة الله -تعالى- ومحبّة ملائكته ، حيث إنّ محبّة الله رزق عظيم يناله العبد، ممّا يؤدّي إلى حبّ المؤمنين للعبد التقي، حيث ورد في الحديث الشريف: (إذا أحبَّ اللهُ العبدَ نادى جبريلَ: إن اللهَ يحبُّ فلانًا فأحبِبْه، فيُحِبُّه جبريلُ، فينادي جبريلُ في أهلِ السماءِ: إن اللهَ يحبُ فلانًا فأحبُّوه، فيُحِبُّه أهلُ السماءِ، ثم يُوضَعُ له القَبولُ في الأرضِ).
- حفظ الذريّة بتقوى والدهم، حيث ورد في سورة الكهف أنّ الله -تعالى- حفظ رزق غلامين يتيمين لأنّه أبوهما كان صالحاً، فقال: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا).
- نصرة الله وتأييده ومعيّته لأهل التقوى، والمعيّة الخاصّة للمتقين تختلف عن معيّة الله -تعالى- وعنايته لعموم البشر والمسلمين.
- إحاطة المتقين بالبركات من السماء والأرض، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
- تقوى الله -تعالى- تعدّ سبباً من أسباب قبول الأعمال الصالحة من العباد، قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
- تكفير السيئات والنجاة من النار والدخول إلى الجنة ، حيث إنّ ذلك من أعظم الغايات والأهداف التي ينشدها المسلم، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ).
- الفوز بأعلى مراتب الجنان، فليس للمتقين مكان في أدنى مراتب الجنان، حيث قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ*فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ).
- دخول الجنة يكون للمتقين بشكلٍ مميّز حيث إنّهم يدخلون زُمراً هم وأحبابهم بسرور غامر، وإنّ من زيادة النعيم أن يكون الإنسان هانئاً مع من يحب فيستأنس بهم ويفرح لوجودهم معه، حيث قال الله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).