خلق الانسان ضعيفا
المراد بضعف الإنسان
لقد أقر القرآن الكريم حقيقة ضعف الإنسان؛ فقد قال -تعالى-: (يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا)، وفيما يأتي بيان المراد من ضعف الإنسان في الآية الكريمة.
الإنسان ضعيف في أصل خلقته
المقصود بالضعف هو في أصل الخلقة، كما في قوله -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ).ولذلك جاء التخفيف عنه في التكاليف والتسهيل في أمور الشرع.
الإنسان ضعيف أمام شهوته
فالإنسان ضعيف العزم أمام شهوته وهواه، فيميل مع شهوته ويتبعها؛ لذلك احتاج إلى تخفيف الله عنه بأن جعل الله له طرقًا مباحة لتصريف هذه الشهوة؛ كالزواج، وفتح له باب التوبة إن ارتكب ذنبًا.
وقد سُبقت الآية الكريمة بآية تُفيد أن أصحاب الشهوات والنزوات يريدون من المؤمنين أن ينساقوا وراء شهواتهم، ويخضعوا لهذا الضعف الذي فطروا عليه، قال -تعالى-: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا).
الإنسان ضعيف من جميع الوجوه
معنى الضعف في الآية الكريمة عام وشامل؛ ولذلك جاء لفظ الضعف مطلقًا في الآية الكريمة، فالإنسان ضعيف في بنيته وفي علمه وفي إرادته وفي صبره، فناسب ذلك أن يخفف الله عنه ما يضعف عنه.
المراد بالتخفيف في الآية
التخفيف هنا يشمل معاني عديدة، كما يأتي:
التخفيف في التكاليف
أراد الله التيسير والتخفيف عن عباده في الأوامر والنواهي الشرعية دون أن يصيب المسلم تعب وعنت، والحكمة من رفع الحرج وعدم المشقة في التكاليف؛ هو التخفيف عن العباد، والرغبة في استمرار المكلف بها، وألا يتطرأ إليه انقطاع في الطريق وبغض للعبادة، وكراهية للتكاليف، وألا تشغله التكاليف عن أعماله الأخرى وواجباته الخاصة في نفسه وأهله ومجتمعه.
التخفيف بقبول التوبة
إنّ من رحمة الله بعباده وتخفيفه عنهم أن فتح لهم باب التوبة؛ كي يعودوا كلما أذنبوا، وهذا من شأنه أن يجعل المسلم في حال إقبال على الله -تعالى- الذي يغفر الذنب ويتجاوز عن الخطأ، فيتخفف الإنسان من مشقة ذنبه ولوم نفسه.
الحكمة من ضعف الإنسان
يمكن تلخيص الحكمة من خلق الإنسان ضعيفًا فيما يأتي:
- إدراك الإنسان أنّ أي مظهر من مظاهر القوة في حياته؛ إنّما هو من عند الله -تعالى- سواء في مقاومته لنفسه وشهوته أو مقاومته للأمراض.
- دوام تذكر الإنسان لحقيقة ضعفه؛ يبعد عنه الكبر والخيلاء.
- التكليف في حدود استطاعة الإنسان، فلم يأمر الله بشيء خارج حدود استطاعة الإنسان، وكذلك شرع الله الرخص في العبادات؛ كجواز الصلاة جالسًا للمريض.
- حاجة الإنسان للكثير من الأشياء تدفعه للعمل والسعي والتحرك؛ ولو كان الإنسان قويًا مستغنيًا لما تحرك وسعى.
- ضعف الإنسان سبب لافتقاره وحاجته لله -تعالى-، وهذا من أوسع أبواب الدخول على الله؛ باب الافتقار إليه.
مظاهر ضعف الإنسان
إنّ جوانب ومظاهر ضعف الإنسان عديدة، وفيما يأتي ذكر بعض تلك المظاهر:
- تبصّر الإنسان محدودًا، بالرغم على ما هو عليه من التقدّم المعرفي الكبير وخاصّةً في جسمه، فهناك بعض الأجزاء من جسمه لا يستطيع دخولها، ويقف ضعيفاً تجاهها؛ فعلم الدماغ والأنسجة والسوائل المختلفة وتفاعلها مع بعضها ما زال الكثير منه مجهولاً لدى الإنسان.
- الإبصار ضمن شروطٍ ومعطياتٍ يحكمها الزمان والمكان والثقافة، وبشكلٍ خاصٍّ ومحدودٍ فالإنسان الضعيف لا يستطيع أن يُبصر الأمر إلّا ضمن شروطٍ ومعطياتٍ؛ فالإنسان لا يستطيع التخلّص من محدودية الرؤية وضرورة النظر من زاويةٍ معينةٍ، وهذا يفسّر سبب عدم الاتفاق على أمرٍ واحدٍ، فإنّ خصوصية التكوين البشريّ، وظروفه، ومشاعره تدفع مواقفه وآراءه إلى التفرّد.
- العجزعن إدراك الأشكال النهائية لأكثر حقائق الكون دفعةً واحدةً؛ وذلك لأنّ الحقائق لا تبيّن للإنسان كلّ أبعادها وأطوارها إلاّ بشكلٍ تدريجيٍّ.
- عدم الجزم بشيءٍ مقطوعٍ ممّا سيحصل في المستقبل، مهما كان إدراك الإنسان للظروف والعوامل والمؤثرات التي تُحيط به؛ فهو لا يعلم ماذا سيحدث بعد شهرٍ أو بعد يومٍ أو بعد ساعةٍ، وأعظم الأطباء في الكون لا يستطيع أن يضمن له استمرار حياته.
- الإمكانات التي يمتلكها الإنسان لفهم الواقع الذي يعيش فيه بجزئياته ومشكلاته وخباياه.