خطبة قصيرة عن حق الجار
مقدمة الخطبة
الحمد لله فالق الحب والنوى، ومحيِّ العظام بعد الموت والبِلى، ومُنْزِلِ القطرِ والندى، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه التترى وآلائه العظمى، إن الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذ بالله من شُرور أنفُسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، الحمد لله الذي حثنا على الإحسان إلى الجار ، ومُراعاة حُقوقه، ونهانا عن عُقوقه، ونشهد أن لا إله إلا الله، وأن مُحمداً عبده ورسوله.
الوصية بالتقوى
معاشر المُسلمين، أوصيكم ونفسي المُقصرة بحق ربها ب تقوى الله ولُزوم طاعته، وأُحذركم ونفسي من مُخالفته وعصيان أوامره؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
الخطبة الأولى
عباد الله، اعلموا أن حق الجار من الأُمور التي أكد عليها الإسلام في كثيرٍ من نُصوص الكتاب والسنة، ولا زال جبريل -عليه السلام- يوصي نبينا مُحمد -عليه الصلاةُ والسلام- بالجار حتى ظن أنه سيجعل له نصيباً من الميراث؛ وذلك في قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (ما زالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بالجارِ، حتَّى ظَنَنْتُ أنَّه سَيُوَرِّثُهُ)، فلا يمتنع عن هذا الفضل العظيم إلا من زهد فيه، ومن لم يختره الله لمثل هذا الإحسان.
وقد كانت العرب في الجاهلية يتفاخرون بالجار وإحسانهم إليه، وكانوا يقولون: قدر الجار يكون ثمن الدار، فجاء الإسلام وأقرهم على هذه الخصلة الحسنة، وأمر المسلمين بالجار حتى وإن كان كافراً.
معاشر المُسلمين، اعلموا أن حق الجار جاءت به الكثير من الأدلة من رب البرية، ورسوله -عليه الصلاةُ والسلام-، ومن ذلك ما جاء في الحديث الصحيح بنفي الإيمان عن الشخص الذي يؤذي جاره: (واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ. قيلَ: ومَن يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: الذي لا يَأْمَنُ جارُهُ بوائقه).
بل وحث النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- المؤمنين ب إكرام جيرانهم ؛ بقوله: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ).
كما أن الإسلام حث على مُراعاة حق الجار سواءً أكان من الأقرباء أو لم يكن ذا قرابة، قال -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا).
و من حُقوق الجار التي أمرنا بها الإسلام الحنيف: كتمان سره، أو ما يجري في بيته، وعدم الاطلاع على أسراره، بل إن الأحاديث حثت على تعاهد الجار بالطعام؛ كأن يُهدي الإنسان جاره من طعامه، وجاء في بعض الأدلة أن من أسباب مُضاعفة السيئة؛ إن كانت في حق الجار، ومن حق الجار على جاره، أن يعوده إذا مرض، ويُسلم عليه إذا لقيه، ويمشي في جنازته عند موته، وأن يقف بجانبه في السراء والضراء.
وبيّن أن شر الناس من اتقاه الناس لشره، وابتعدوا عنه اجتناباً لضرره، فالمؤمن الحق هو من يتغاضى عن هفوات جاره، ولا يتطلع على عوراته، ويستُر ما يراه من سوءاته، ويبتعد عن النظر إلى عوراته.
أقول ما سمعتم، فإن كان حسنًا فمن الله، وإن كان سيئًا فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدي ولوالديكم ولجميع المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل بعد الضيق مخرجاً وبعد الهم فرجاً وبعد العسر يسراً، أحمده سبحانه وأشكره على عظيم حكمته وتدبيره وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل مع العسر يسراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي دل أُمته على طُرق الخير والصلاح، أما بعد:
عباد الله، إن الجار في الاصطلاح الشرعيّ هو الشخص المُجاور لك جواراً شرعياّ؛ سواءً أكان مُسلماً أو غير مُسلم، قريباً أو أجنبياً، وتزاد حُقوق الجار بحسب القُرب والقرابة، ويُعرف حد الجوار بحسب العُرف في ذلك، وأجل صور الجوار هو ما كان في السكن، كما يشمل أيضاً ما كان مُجاوراً لك في المتجر والسوق والمكتب، وغير ذلك.
كما أنه يشمل الرفيق في السفر، وتتمحور حُقوقه في بعض الجوانب، ككف الأذى عنه، فيحرُم أذى الناس بشكلٍ عام، ولكنها في حق الجار أعظم، ومن ذلك أيضاً، حمايته في ماله وعرضه وبدنه، وتشمل حُقوقه الإحسان إليه بجميع صور وأشكال الإحسان، والبُعد عن أذاه، ب الكف عن الأذى بجميع أنواعه.
وصل الله على نبينا مُحمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
الدعاء
- اللهم اجعلنا ممن يكرم جيرانه، ويحسن إلى عبادك ويتلطف معهم.
- اللهم آتنا في الدُنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وتوفنا مع الأبرار.
- اللهم إنّا نعوذ بك من الكُفر والفقر، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال.
- اللهم إنّك عفوٌ كريمٌ تُحب العفو فاعف عنا.
- اللهمَّ إنِّا نسألُك من خيرِ ما سألَك به عبدُك ونبيُّك محمد -صلى الله عليه وسلم-، ونعوذُ بك من شرِّ ما استعاذ به عبدُك ونبيُّك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
- اللهمَّ إنِّا نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ، ونعوذُ بك من النارِ وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ.
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم، سبحان رب العزة عمّا يصفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمد لله رب العالمين.