خطبة عن صدق النية وسمو الهمة في دخول رمضان
خطبة عن صدق النية وسمو الهمة في دخول رمضان
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، الحمد لله الذي أكرم عباده بمواسم مليئة بالأجور ورفع الدرجات، الحمد لله الذي فضّل رمضان على غيره من الشهور وأنزل فيه القرآن، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.
الوصية بتقوى الله
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فقد قال -تعالى-: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
الخطبة الأولى
عباد الله، قد جعل الله صوم رمضان من أحد أركان الإسلام؛ وفرضها على كل مسلم لأهميتها العظيمة في حياته، فقد قال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ).
وقد فضّل الله -عز وجل- هذا الشهر بأن أنزل فيه كتابه الكريم، وجعل موسمه هو أفضل المواسم للتقرّب من كتاب الله والعيش معه، فعلاقة المسلم مع القرآن يجب أن تكون في أميز أوقاتها في شهر رمضان، فمن كان يلازم القرآن الكريم في كل أوقاته، فملازمته يجب أن تكون أشد في أيام رمضان.
وقد بيّن هذا الحديث الشريف علاقة رمضان بالقرآن فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامَةِ، يقولُ الصيامُ: أي ربِّ إِنَّي منعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ فشفِّعْنِي فيه، يقولُ القرآنُ ربِّ منعتُهُ النومَ بالليلِ فشفعني فيه، فيَشْفَعانِ).
يا عبد الله، اغتنم هذه المواسم المحملة بالخيرات، قبل أن تأتي ساعة يتمنى فيها المرء أن يسجد لله ولو ركعة ولا ينفع حينها الندم، فهذا موسم تُفتّح فيه أبواب الجنة، وتُغلّق فيه أبواب النار، وتُصفّد فيه الشياطين، وينادي فيها ملك: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.
ومن تأمل هذا الحديث وما فيه فضائل لهذا الشهر تعلو همته وتزداد عزيمته ليستقبل رمضان بأكثر ما عنده من أعمال الخير، وبشحذ طاقته، وطاقة غيره من شباب المسلمين لينالوا أجر هذا الشهر ولينالوا عتقه وبركته.
ولا بد لك أخي المسلم أن تعلم أن مواسم الطاعات تنقضي سريعاً، فالعمر لا ينتظر النائمين، ولا يتوقف ليمضي المفرطين، فعجلة الزمن سريعة، وغداً يفوز من استحق الفوز، فاعلم أنّ شهر رمضان من أعظم الفرص التي يغفل عنها الكثير من عباد الله، وما أضاعوه إلا لجهلهم بعظيم مكانته، فلتعزم من اليوم أن تكون عالي الهمة في هذا الشهر المبارك.
وإن علو الهمة يعني كل استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور، وطلب المراتب السامية، ففرق عظيم بين من يسعى لنيل الدرجات العلا من الجنة وتسمو به نفسه إلى رضا الله -تعالى-، فهو يغتنم كل فرصة ليتقرب من هذه الغاية ومن هذا الجزاء.
والمسلم صادق النية يستعد ويخطط بكل طاقته ليفوز بهذا الشهر؛ فالواجب عليك أخي المسلم أن تستقبل رمضان بالتوبة الصادقة النصوح؛ وذلك لأن التوبة وظيفة العمر وتجب على الشخص في كل زمان، فقد قال -تعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
إن التوبة لا تقتصر على الاستغفار باللسان وإنما هي استغفار باللسان وصدق القلب في الإقلاع عن المعاصي والإقلاع عن كل ما يثبط عزمه في السير إلى الله -جل جلاله-، فلتصدق التوبة قبل رمضان، ولتكن جاداً بها.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأكرمنا ببلوغ شهر رمضان، وله الحمد في البدء والختام، والصلاة والسلام على خير من صلى وصام وقام سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد:
عباد الله: كم من مسلم كان معنا في رمضان الماضي، وهو الآن في المقابر يتمنى لو يدرك لحظة من رمضان القادم، فالحمد لله الذي أمهلنا فرصة جديدة وعظيمة لنجبر فيها تقصيرنا في عبادته.
واحرص أخي المسلم أن تجمع بين جميع الطاعات في رمضانك هذا، وليكن لك نصيباً من الصدقة ومن تفقّد كل محتاج وفقير، ومن الصدقات في رمضان أن تُفطر صائماً، فمن فطر صائماً كان له مثل أجر صيامه.
كما أنّ من العمال التي يمتاز بها رمضان ويكون للعبد فرصةً عظيمةً فيه هو قيام الليل والاعتكاف في المساجد في رمضان، كما أن في العشر الأواخر منه ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر، فعلى المسلم أن يقوم هذه العشر كاملةً حتى لا تفوته ليلة القدر.
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)، فهذا الحديث يُبين مكانة القيام في شهر رمضان، والعاقل من اغتنم وشمر وعزم على القيام حسن الصيام وقراءة القرآن، أٌول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الدعاء
- اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
- اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان.
- اللهم بلغنا رمضان وأعنا فيه على الصيام والقيام وصالح الأعمال وتلاوة القرآن، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين يا رب العالمين.
- اللهم اجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم، اللهم بلغنا فيه ليلة القدر، وجمل بها أقدارانا واكتبنا بها من السعداء يا أكرم الأكرمين.
- اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته ولا حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها يا رب العالمين.
- ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً.
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.