ما أهمية العلم في الإسلام
معرفة الله وخشيته
طلب العلم والسعي للاستزادة منه هو بابٌ لمعرفة الله وخشيته، فلا سبيل لمعرفة الله ومراده ودلالات كتابه وسنّة نبيه إلّا بالعلم، ولا بدَّ للمسلم أن يستزيد من علمه؛ لأنّ العمل مع العلم يزيد الإيمان ويزيد اليقين، كما أنه السبيل الوحيد لمعرفة صلاح العمل وفساده.
ومن ذلك كان العلماء هم أكثر النّاس خشية لله؛ لكثرة علمهم، قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، ودلّ ذلك على: "إنما يخشاه حق خشيته العلماءُ العارفون به؛ لأنّه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير أتمّ والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر"، وقال سعيد بن جبير: "الخشية هي التي تحول بينك وبين معصية الله عزّ وجلّ"، فعلم العالم يمنعه من معصية الله عزّ وجلّ؛ لمعرفته بالله حقّ المعرفة.
طلبُ العلم فريضةٌ
على المسلم أن يحرص على طلب العلم، ويستزيد منه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، غير أن طلب بعض العلوم واجب؛ لحاجة المسلم إليها فى عباداته لله، ومعاملاته مع غيره من النّاس، ولأن الله عزَّ و جلَّ حكم ببقاء شريعته إلى يوم القيامة، لذلك اقتضى على المسلم أن يحرص على تعلّم أمور دينه، وقيل: إن طلب العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم، ومعنى ذلك أن المسلم يجب أن يعلم ما يتعلّق بأفعاله.
قال محمد بن الحسن الشيباني: "إنّ مَا يحْتَاج الْمَرْء فِي الْحَال لأَدَاء مَا لزمَه يفترض عَلَيْهِ عينًا علمه، كالطهارة لأَدَاء الصَّلَاة، فَإِن أَرَادَ التِّجَارَة يفترض عَلَيْهِ تعلّم مَا يحرز بِهِ عَن الرِّبَا والعقود الْفَاسِدَة، وَإِن كَانَ لَهُ مَال يفترض عَلَيْهِ تعلم زَكَاة جنس مَاله؛ ليتَمَكَّن بِهِ من الْأَدَاء، وَإِن لزمَه الْحَج يفترض عَلَيْهِ تعلّم مَا يُؤَدِّي بِهِ الْحَج، فَهَذَا معنى علم الْحَال".
تطور الأمّة ورفع الجهل عنها
إنّ أعظم دعامةٍ للأمم هي العلم، فعندما اهتمَّ المسلمون الأوائل بالعلم سادوا الأمم، فلا بدّ لتطور الأمة أن تولي العلم كلّ الاهتمام. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا).
وهنا تكون أهمية تعلّم العلم الشرعي؛ فبِه يزول الجهل، وبالابتعاد عنه يسود الجهل والضلال والابتعاد عن الحق، لذلك يجب أن يحرص المسلم على تعلّم أمور دينه؛ لأنّ خطورة الجهل تكمن في أن الجاهل يستكبر عن سماع الحقّ، ويستثقله فيبتعد عن الحق.
الوصول إلى رضا الله ودخول الجنة
إن غاية المسلم في الدنيا هي رضا الله ودخول جنته، والطريق لذلك يكون بطلب العلم، وإنّ الله سبحانه وتعالى يرفع مقام الذين أوتوا العلم، حيث قال سبحانه وتعالى: (يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا ، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ ، وإنَّ الملائكةَ لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العِلمِ)، فيُجازي الله طالب العلم بتمهيد طريقه للجنة، وذلك بتسهيل سبيل الهداية والطاعة الموصلة إلى الجنة.
محاربة الأفكار الهدّامة
العلم مفتاحٌ لكلِّ خير، به يُعرف الحقُّ من الباطل، وهو وسيلةٌ لأداء ما أوجب الله و ترك ما حرّم، وبه تصحّحُ المفاهيم، وبه يُعبد الله، ويُنشرُ دينه، وتُحاربُ الأفكار الهدّامة والدعواتُ المضلّلة والأنشطة المنحرفة، فكل دعوة باطلة، وكل فكرة منحرفة إنما تنتشر وتجد مؤيدين لها في المجتمعات التي انتشر فيها الجهل وغاب العلم، فإن قام بينهم عالمًا بدينه مخلصًا نيته لله، سيكون أثره واضحًا، وسينتشر نور الحقيقة بين عبادة بإذن الله تعالى.
الدعوة إلى الله
أعلى مراتب الأخلاق طلب العلم، وتأتي أهميته الكبيرة لأنّه شرط لقبول العمل، لأنّ العلم مصححٌ للنّية المصحّحة للعمل، قال سبحانه في كتابه: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا اللَّـهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) ، فقدّم سبحانه العلم أولًا (فاعلم أنّه لا إله الله)، ثمّ العمل، ثم أعقبه (واستغفر لذنبك)، فدلَّ ذلك على أنّ العلم مقدمٌ على العمل.
وللعالم مقام ممدوح فى كتاب الله لا وجه لمقارنته بمن دعا إلى الله بلا علم ولا بينة، قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)، وليكون الداعية مؤثرًا ومقنعًا فلا بد أن يكون عالمًا ومتعمقًا بكل ما يدعو إليه من علوم الدين وعلوم الدنيا.
قال الله سبحانه: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)، وجدير بالذكر أن العلم الشرعي تعلمًا وتعليمًا له أهميتة خاصة لتعلقه بعبادات المسلم وعلاقته مع ربه، قال صلى الله عليه وسلم: (مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ).