خطبة عن شهر رمضان
مقدمة الخطبة
الحمدلله ربِّ العالمين حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، الحمد لله الذي منّ على أُمّة محمد -صلى الله عليه وسلم- بشهر رمضان، وأرشدهم فيه للصيام والقيام، وجعل عمل كلّ ابن آدم له، إلَّا الصيام جعله له فإنه يجزي به، فالحمد لله حمداً كثيراً طيِّباً مباركاً فيه كما يُحبُّ ربّنا ويرضى، وصلاة الله وسلامه على خير الورى محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
الوصية بتقوى الله
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فقد عزّ القائل -جل جلاله-: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فإنّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل مُحدثةٍ بدعة، وكلُّ بدعةٍ ضلالة، وكلُّ ضلالةٍ في النار.
أيّها الإخوة إنّ الله -تعالى- قد فرض علينا عبادته وطاعته، وجعل للإسلام أركاناً خمسة منها الصيام الذي فرضه على عباده في كتابه العزيز فقد قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وقال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).
وصيام شهر رمضان ركنٌ من أركان هذا الدين ، فرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ).
وقد أكّد النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- على فرضية الصيام في شهر رمضان المبارك وبيّن فضله العظيم وأجرّه الجزيل حيث روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: (قد جاءكم رمضانُ، شهرٌ مُبارَكٌ، افترضَ اللهُ عليكم صِيامَه، تُفتَحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَقُ فيه أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيه الشياطينُ، فيه ليلةٌ خيرٌ مِن ألفِ شهرٍ، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ) .
وإن لهذا الشهر الكريم العديد من الفضائل وأهمها تكفيره للذنوب فقد قال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (الصلواتُ الخمْسُ، و الجُمعةُ إلى الجُمعةِ، و رَمضانُ إلى رمضانَ: مُكَفِّراتٌ لما بينهُنَّ إذا اجْتُنِبتِ الكبائِرُ)، فشهر رمضان يُكفر ذنوب العبد حتى يأتِيه شهر رمضان في عامه المُقبل، و قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (مَن صَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا واحْتِسَاباً، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) .
وقد حذّر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- من ترك فريضة الصيام أو التهاون فيها في كثيرٍ من أحاديثه، فشهر رمضان أيام مباركة، وصيامه يُكفر للذنوب ويمحو الآثام، فعليكم بهذه الأيام أَيُّهَا الكرام؛ لنيل ثوابها، وكسب بركتها، وإياكم من التهاون والتقصير، فكلّ يومٍ يُودعنا من هذا الشهر الفضيل يذهب معه بركته وأجره، ولا أعظم من هذا الخسران.
عباد الله، إنَّ الصّوم في شهر رمضان واجبٌ و فريضةٌ على جميع المسلمين، وقد بيّنت الشريعة أحكامهُ وأوضحت للعباد تفاصيله، فهو من مواسم الخير التي ضاعف الله -تعالى- بها الأجور، وفيه تتزين الجنّة للصالحين، وتُصفد فيه الشياطين، وهو الشهر الذي تُفتّح به أبواب الجنّة، وتُغلّق به أبواب النار، وهو الشهر الذي يُقبِل به باغي الخير، ويُدبر به باغي الشر.
أَيُّهَا الأحبة، إنّ الله قد أكرمنا بهذا الشهر الفضيل، وخصّنا بالرحمة والفضل؛ ففيه ليلة القدر التي عدّها الله -تعالى- خيرٌ من ألف شهر، وأخبر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنّه من حُرٍم أجر هذه اليلة فقد حرم الخير الكثير، ومن قامها إيماناً واحتسابًا فقد نال المغفرة والعفو من الله الغفور الرحيم.
ومن بركة شهر رمضان أن الله يعتق به رقاب عباده من النيران، ويغفر للصائم في آخر لياليه، فهو شهر النفحات الإيمانيّة، وفيه خير ليالي الدهر، فالعشر الأواخر من رمضان من قامها وصامها نال أجراً عظيمًا، وكان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- إذا حضرت العشر الأواخر من رمضان شدّ المئزر وضاعف العبادة واجتهد بها، وأيقظ أهله للقيام.
ومن البركة التي ينالها العبد في شهر رمضان أنّ الملائكة تستغفر للصائم حتى يُفطر؛ كما أن للصائم أيضاً عند فطره دعوة لا تُرد، وخَلوف فمه أطيب عند الله -تعالى- من رائحة المسك، حيث روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: (الصِّيامُ لي وأَنا أجزي بِهِ، والصَّائمُ يَفرحُ مرَّتينِ عندَ فطرِهِ، ويومَ يلقى اللَّهَ وخَلوفُ فمِ الصَّائمِ أطيَبُ عندَ اللَّهِ من ريحِ المسكِ).
فيا له من شهرٍ كريمٍ، وجزاءٍ عظيمٍ من ربّ العالمين، فعليكم باغتنام شهر رمضان بالدعاء والإكثار من العمل الصالح، والاجتهاد فيه بالطاعات فإنّ أيامه معدودة، فلا تجعلوا هذه الأيام تمرّ عليكم مرور الكرام.
وسبحان الذي أكرمنا بأن جعل صيامنا شهر رمضان إيماناً واحتساباً لوجهه الكريم سبباً في غفران ما تقدم من الذنوب، واعلموا أَيُّهَا الأفاضل أنّ الصيام عبادة تُهذّب النفوس، وتُربيها على الصبر والتحمل، وتعوّدها على ترك الملذّات والشهوات، فالصيام لا يُعدّ تركًا للطعام والشراب فحسب، بل هو إمساكٌ عن كل ما فيه عدوان وإساءة وظلم.
ويتوجب على الصائم ترك الرفث واللغو ، والكذب والافتراء، والغيبة والنميمة وجميع الآثام، فالصيام هو صيام اللسان عن قول ما حرّم الله، وصوم الأذن عن سماع ما حرّم الله، وإمساكٌ لكل الجوارح عن الأفعال التي كرهها الله -تعالى-، فالصيام صيام المعدة والنفس حتى يكون الصيام مقبولاً عند الله -تعالى- وينال منه المسلم الجزاء العظيم الذي وعد به الله -تعالى- الصائمين.
وبارك الله لي ولكم في شهره الكريم ونفعني الله وإياكم بكتابه العظيم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنّه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتَّقين، ولا عدوان إلَّا على الظَّالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيّها النّاس: إنّ شهر رمضان المبارك، مِنّة من الله -تعالى- للمسلمين، فهو محطةٌ لنتزود منها بالإيمان، وهو سبيلٌ لتكفير الذنوب، وفرصةٌ للعتق من النيران والفوز بنعيم الجنان.
وقد شرع الله -تعالى- الصيام لحكمٍ كثيرةٍ، وفوائد عديدةٍ، وأول هذه الحكم هي تزكية النفوس؛ فالصيام يُطّهر النفس ويُزكيها، ويُنقيها من الأدناس والآثام، وهو سببٌ في إبعاد الشيطان وتضييقٌ لمجاريه في بدن الإنسان، كما أنّ الصيام يُكسب الفرد الأخلاق الحميدة، فهو يحثّ على ترك الرفث والسبّ واللّعن وغير ذلك من رذائل الأخلاق.
ومن الحكم التي شُرع لأجلِها الصيام هو ترغيب المسلم في آخرته، وحثّه على نيل نعيمها، وتزهيده في الدنيا وما فيها من ملذات، وهو وسيلةٌ للشعور بالآخرين، فهو يُعلّمنا أن نعطف على المسكين، وأن نشعر بآلام الآخرين، كما أنّ الصيام يُذيقنا شعور العطش والجوع، وهو دافعٌ لنا لمساعدة الفقراء والمساكين بعد معرفة شعورهم وما يُعانون من عوز وحاجة.
الدعاء
- اللَّهُمَ إنّا نسألك مِنَ الْخَيْرِ كُلِّه عاجله وآجله وكل مَا يَنبغِي أَن نسألك منه، ونعوذ بك مِنَ الشّر كلّه مَا ينبغي أن نتعوذ بك منه.
- اللَّهُمَ إنّا نسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض أَن تجعلنا فِي حِرزِك وَحِفظِك وجِوارِكَ، وَتَحتِ كنفك.
- اللَّهم ألبسنا لِبَاس التَّقوى، وألزمنَا كلِمةَ التَّقوى، واجعَلنَا مِن أُولِي النُّهَى، وأمتنا حين ترضى، وأدخلنا جنّة المأوى، واجعلنا ممن برَّ واتَّقى، وَصَدَّقَ بِالحسنى، ونهى النفس عن الهوى، واجعلنا ممن تيسره لليسرى، وَتجنِّبه العسرى، واجعلنا ممن يتذكر فتنفعه الذكرى، اللَّهُمَّ أجعل سعينا مَشكوراً، وَذنبنا مغفوراً، وَلَقِّنَّا نَضرةً وسروراً، واكسنَا سندساً وحريراً، واجعَل لنا أَساور من ذهب ولؤلُؤٍ، وحرِيرا.
- اللَّهُمَّ لَا تَنزع منّا الإيمان كما أعطيتنا إياه، وآتنا اللهم في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار.
- اللهم بارك لنا في رمضان وأعنّا فيه على الصيام والقيام وصالح الأعمال، الله إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك سوء فاقلبنا إليك غير خزايا ولا مفتونين بقدرتك وكرمك ياربّ العالمين.
- اللهم اكتبنا في هذا الشهر الفضيل من عُتقائك، اللهم بلغنا ليلة القدر وغّير بها أقدارنا وحالنا إلى أحسن حالٍ يا عزيز يا جبار.
- اللهم إنّك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، إنّك ولي ذلك والقادر عليه وصلّى الله وسلّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.