حكم تداول وشراء البتكوين
التعريف بالعملة الرقمية (بِتكُويْن - Bitcoin)
قبل البدء في تفصيل حكم الشرع فيما يخصُّ التعامل بالعملة الرقمية، علينا أن نبيّن ما هي هذه العملة، وكيف تكون، ولمن تخضع، لأنّ الحُكم على الشيءِ فَرعٌ عن تصوّرِه، والمقصود بالعملة الرقمية (Bitcoin): هي عملة إلكترونية مشفّرة متداولة عبر شبكة الإنترنت افتراضية، وليس لها وجودٌ ملموسٌ في الواقع.
وتستعمل في المعاملات المالية بين الأشخاص بشكلٍ مباشرٍ من دون وجود وسيط أو هيئة تنظيمية، أو سلطة مركزية معيّنة تقف وراءها وتديرها، فهي لا تخضع لرقابة حكومية أو رسوم تعاملات، وتعتبر ذات مجهولية؛ كونها لا تحمل رقماً مُتسلسلاً يسمح بِتتبُّع مستخدميها، إذ إنّها عبارة عن عنوان رقمي مربوط بمحفطة إلكترونية.
الحكم الشرعي في تداول وشراء البِتكُويْن
في الحقيقة إنَّ مسألة مثل هذه لا يمكن البتُّ فيها من عالِمٍ أو اثنين وبشكل متسرّع، إنّما تحتاج لمجامع فقهية، ولجان إفتاء لبحثها ومناقشتها، ولكونها من المعاملات المالية المعاصرة المستجدَّة، والنوازل الحديثة، ولكون شريعتنا العظيمة مواكبة للمستجدات ، مرِنة وصالحة لكل الأزمنة، فإن دراسة مثل هذه المسألة والنظر فيها من الناحية الشرعية غدت مَهمّة موضوعة على عاتق العلماء المعاصرين.
وقد تعدَّدت آراء الفقهاء المعاصرين حول العملة الرقمية عموماً، فكان لكل فريق منهم أدلته وتوجيهاته، فهناك من منع التعامل بها مطلقاً في الوقت الحاضر على الأقل، لعدّة أسباب وأهمها ما يأتي:
- إنها ليست نقوداً فعلية قائمة بذاتها، إنَّما هي مجرَّد أرقام ورموز مبرمجة.
- لم تحصِّل شروط الكفاءة النقدية لتكون نقداً مُعتبراً شرعاً، كأن تكون وسيطاً مقبولاً عند الناس، ومستودعاً للثروة، ومقياساً لتحديد السلع.
- إنها مجهولة المصدر والمستقبل، فيها غرر كبير، لا ضمان عليها، ولا موثوقية فيها حالياً، وقد تتعرض لهجمات واختراقات إلكترونية فتنعدم وتتبخّر.
- ليس لها اعتماد حكومي، فلا يصدرها بنك أو مصرف موثوق معتمَد يُرجع إليه للضرورة، لذلك فهي ممنوعة إلى الآن في أغلب دول العالم.
- تتصف بالتذبذب والاضطراب الشديد من حيث الارتفاع والهبوط المفاجئ.
- فيها نوع من المقامرة أو شبه المقامرة، كما إنَّها بيئة مناسبة للمعاملات المشبوهة كتجارة المخدرات وغسيل وتهريب الأموال.
- غالباً تؤدي إلى بناء ثروات فاحشة، من لا شيء أو من مبالغ قليلة، كما قد تؤدي إلى خسارات فادحة.
شروط التعامل بالعملة الرقمية بتكوين
هناك من العلماء من أجازها بشروطٍ وعلى حذر، ومن أقوالهم وردودهم ما يأتي:
- إنها جائزة في حال اعتُبرت سلعاً كغيرها من السلع التي تُباع وتشترى عبر الإنترنت، بالشروط الشرعية المعتبرة .
- إن كل العملات النقدية المعروفة تحفّها كثير من المخاطر، وقد يحدث فيها نوعٌ من المقامرة، أو تستخدم في عمليات مشبوهة، أو ترتفع وتنخفض فجأة لظروف معينة، وإن كان ذلك أكثر في العملات الرقمية.
- العملات هذه وإن كانت مجرَّد برمجة، فإنَّها ليست وهماً؛ لأنَّها في أيّ لحظةٍ قد تشيع وتفرض نفسها بين الناس، وقد يتّسم بعضها بالثقة والأمان فتُعتمد من قبل الدول والحكومات، كما فعلت ألمانيا واليابان وبعض الشركات العالمية تجاه بعض العملات الرقمية.
- تجوز بشرط ألّا يكون في التعامل بها ما هو محظور شرعاً؛ مثل الغش والغرر والجهالة الفاحشة وأكل الأموال بالباطل.
وأكثر العلماء توقّفوا في إصدار الحكمٍ عليها، وذلك لعدم وضوح أمرها في الوقت الحالي، فهل هي عملة نقدية حقيقية تأخذ أحكام النقود المعروفة، أم سلعة يجري عليها ما يجري على السلع، ولغير ذلك من التساؤلات.
ولكنهم نصحوا الناس بالابتعاد عن التعامل بها حالياً إلى أن يتّضح أمرها من الناحية الشرعية والقانونية، فإمّا أن تبقى على ما هي عليه من الغموض والجهالة، وحملها للمخاطر العالية؛ فبذلك يترجّح ويثبت جانب المنع من التعامل بها، وإمّا أن تصبح واضحة المعالم، مقننة، مضمونة وموافَق عليها من الحكومات بشكلٍ رسميّ، شائعة بين الناس، حاصلة على الثقة من قِبَلِهم، فحينئذٍ يجوز التعامل بها.