خطبة عن الانحلال الأخلاقي
مقدمة الخطبة
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد ألّا إله إلا الله، وأنّ محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، صاحب الخلق العظيم والمقام الكريم بوصف ربنا العظيم الرحيم له: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
الوصية بتقوى الله
أوصيكم إخوة الإيمان ونفسي المقصّرة بتقوى الله -عزّ وجلّ-؛ فمن اتقى الله أيّده وسدّده ووقاه، وأُذكّركم بطاعته ولزوم أمره، وأحذّركم من عصيانه، وأحثّكم بالإخلاص له -سبحانه وتعالى- في القول والفعل، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
الخطبة الأولى
إخوتي في الله، إنّ الأخلاق عنصرٌ أساسٌ في بناء المجتمع ونهضته، وسببٌ لحفظه من الانهيار؛ فكم زالت أقوامٌ وحلّ عليها غضب الله بسبب ممارستها الأخلاقيّة الفاسدة، وقد جاء الإسلام ليقيم مجتمعًا قويمًا، ويحفظ عليه استقراره، ويضمن له نهضةً وحضارةً.
وذلك كلّه لا يكون إلّا بالتزام هذا المجتمع أفرادًا وجماعاتٍ ب الأخلاق الحسنة ؛ لذا كان من أبرز أهداف بعثة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لإتمام ما كان عند العرب من أخلاقٍ حميدة وفضائل قويمة؛ فقال عليه الصلاة والسلام: (بُعِثْتُ لأُتمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ).
معاشر المسلمين، تشهد المجتمعات اليوم ظاهرةً خطيرةً، عواقبها وخيمةٌ، تسارع به نحو الانحدار إلى الهاوية، وهي ظاهرة الانحلال والانفلات الأخلاقيّ الذي تفشّى بيننا اليوم؛ نتيجةً لابتعاد الناس عن الالتزام بتعاليم الإسلام، وتنكّب الفِطر السليمة، والميل للأهواء، وجعلها مسيطرةً على الإنسان حاكمةً له.
لِذا شاع بينهم الظلم والكذب والخداع والغش والغيبة والنميمة، وغيرها من الأخلاق الذميمة ، وسبب هذا الانحلال الرئيس هو البعد عن الله -تعالى- وعن تطبيق شرعه؛ ذلك أنّ شرع الله -تعالى- هو الأساس لمحاسن الأخلاق، وبالتخلّف عنه تشيع الأخلاق الفاسدة، لذلك قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ أبغَضَكم إليَّ وأبعَدَكم منِّي في الآخرةِ أسوَؤُكم أخلاقًا).
إخوتي في الله، إنّ الانحلال الأخلاقيّ يبدأ غالبًا أوّل ما يبدأ من الأسرة؛ فإذا لم يحسن الأزواج اختيار بعضهما على أساس الدين والأخلاق القويمة، وكان الهدف من الأسرة بناءها وتنشئة أفرادها على الصلاح والإصلاح، وغرس الأخلاق الحميدة فيهم؛ فإنّ ذلك يعني بُعد الجيل الناشئ عن الدين وأخلاقه الحسنة.
كما أنّ غياب عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين أفراد المجتمع، وقلّة القدوات الصالحة المؤثّرة في حياة الجيل، كلّ ذلك يُسهم ويؤدّي إلى الانحلال الأخلاقيّ، والأصل أنّ الأخلاق الحسنة مقوِّمٌ من مقوّمات الشخصيّة المسلمة .
حيث إنّ الأخلاق جزءٌ لا يتجزّأ من دين الإسلام، بل إنّ العبادات والشعائر فيه جاءت لتعزيز قيمٍ وأخلاقٍ في نفس المسلم عند تأديتها لها، ومن ذلك قول الله تعالى في الصلاة: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ).
معاشر المسلمين، إنّ حفظ الأخلاق وصيانتها يرجع بالنفع والخير على الأفراد والمجتمع ككلّ؛ فبالتزام الأخلاق الحسنة يحيا المجتمع متعاونًا متراحمًا، وصِلاته وثيقةٌ، فالأخلاق تحفظ النظام الاجتماعيّ للمجتمع، وفي مقابل ذلك فإنّ انحلال الأخلاق ينذر بفساد المجتمع، وإشاعة المشاكل بين أفراده؛ ممّا يقلق سلم المجتمع ونظامه.
لِذا أوصيكم إخوتي ونفسي بالحرص على التخلّق بالأخلاق الحسنة في معاملاتنا كلّها، داخل بيوتنا وخارجها، وأحثّكم على الحرص على أبنائكم ومن تَرْعَوْن؛ بغرس الأخلاق الحميدة فيهم، وتقديم النصيحة لهم، وحفظهم من عوامل الانحلال والفساد وأسبابه، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا المصطفى محمّد وعلى أصحابه أجمعين، وبعد: إخوتي في الله، إنّ النصوص الشرعيّة الواردة في الحثّ على التخلّق بالأخلاق الحميدة أكثر من أن تُعدّ؛ فقد جاءت آياتٌ كثيرةٌ في القرآن الكريم تأمر المسلمين بالتزام أخلاقٍ حسنةٍ كثيرةٍ وتنهاهم عن الأخلاق الذميمة، من ذلك قوله -تعالى-:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ).
وقد حفلت سنّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بأحاديث كثيرةٍ تأمر بأحاسن الأخلاق وتنهى عن قبيحها، وبيّنت الأحاديث عظم فضل وثواب حسن الخلق، ومن ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن شيءٍ أثقلٌ في الميزانِ مِن حُسْنِ الخُلُقِ)، وهذا إن دلّ على شيءٍ فإنّما يدلّ على مكانة الأخلاق في حياة المسلم وفي المجتمعات كلّها، ونسأل الله أن نكون من أصحاب الأخلاق الحسنة الكريمة.
الدعاء
إخوتي في الله إنّي داعٍ فأمّنوا:
- اللهم حسّن أخلاقنا ، وهذّب سلوكنا، وجمّلنا بالتقوى.
- اللهم آتي نفوسنا تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها.
- اللهم آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النار.
- اللهم احفظ المسلمين والمسلمات من الزلّات، وجنّبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.
عباد الله، (إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ)، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات، وأنت يا أخي أقم الصلاة.