خطبة جمعة قصيرة ومؤثرة عن التقوى
مقدمة الخطبة
الحمُد لله اللَّطيف المنَّان، المُحيطُ علماً بما يكون وما كان، يُعزُّ ويُذلُّ، ويُغني ويُفقر، كُلَّ يومٍ هو في شأن، أحمدهُ على صفاته كاملة الحِسان، وأشكرهُ على نِعمه الجزال؛ وبالشُّكر يزيد العطاء، ونشكره سبحانه أن هدانا للتَّقوى، ويسَّر لنا سُبلها، وأكرمنا بثمار التقوى العديدة ، ومنافعها العظيمة، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهُد أنَّ مُحمَّداً عبده ورسوله، المبعوث إلى الإنس والجان، وعلى أصحابه والتَّابعين بإحسان.
الوصية بتقوى الله تعالى
عباد الله، أُوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فلا نَجاة للمُسلمين من النَّار ولا دخول لهم إلى الجنَّة إلا بتقوى الله، وقد أوصانا الله تعالى بالتَّقوى في كتابه الكريم في أكثر من آيةٍ كريمةٍ، ومن ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
الخطبة الأولى
أيُّها الأخوة، اعلموا أنَّ التَّقوى وصيَّة من الله -تعالى- لجميع عباده الأوَّلين منهم والآخرين، لِقوله: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، وهي دعوة جميع الأنبياء، ومن خلالها نُفرِّقُ بين الحقِّ والباطل، وبين الهُدى والضَّلال، وهي النَُور الذي تَنشرحُ به الصُّدور، وهي عنوانٌ لكرامة العبد في الدُّنيا والآخرة، لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، كما أنَّها طريقٌ للنَّجاة من النَّار بعد الورودِ عنها. أيها الإخوة، إنَّ التَّقوى وقاية وحماية؛ فهي تحمي المسلم من الوُقوع في المُحرَّمات، وذلك باتباع أوامر الله -تعالى- واجتناب نواهيه. وقد سُئل عُمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- عن التَّقوى، فقال للسَّائل: "أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال: بلى، قال: فما عملت؟ قال: شمَّرت واجتهدت، قال: فذلك التَّقوى"، ومعنى ذلك أنَّ على المسلم بذل الجهد في الابتعاد عن المعاصي .
وقد ورد عن علي -رضي الله عنه- قوله في كيفيَّة تحصيل التَّقوى : "تركُ المعصية وتركُ الاغترار بالطَّاعة، وهي التي يحصل بها الوقايةُ من النَّار ودُخول الجنَّة"؛ مَّما يدلُّنا أنَّ طريق التَّقوى لابدَّ وأن يتخلَّله تركٌ للمعاصي، وإخلاصٌ لله -عزَّ وجل-، وقد قال المُفسِّرون في بيانهم لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، أنَّ التَّقي هو أشرفُ النَّاس وأكرمهم؛ وذلك لأنَّ التَّقوى سببٌ في كمال النَّفس، وأساسُ التَّفضيل بين البشر. وعندما نجد كلمة التَّقوى مُضافة إلى الله -تعالى كقولهِ تعالى: (اتَّقُوا اللَّـهَ)، يكون المعنى عندها اتَّقوا سخط الله وعذابه، وقد ذكر الله -تعالى- في مواضع أخرى أنَّه أهلٌ للتَّقوى؛ أي أنَّه تعالى حَقيقٌ وجديرٌ بالتَّقوى؛ ومعنى ذلك أنَّ المؤمن يتَّقي الله تعالى لأنَّ الله -تعالى- أهلٌ لذلك وليس فقط لأنَّ كُل شيءٍ بيده وقبضته، وذلك لِقوله: (وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ).
أيُّها الإخوة الأفاضل، إنَّ للتَّقوى فضائل كثيرة؛ فهي تُنجِّي من عذاب يوم القيامة، وأفضل ما يتزوَّدُ به المسلم في دُنياه، وعلامةٌ يتميَّز بها أولياء الله -سبحانه تعالى- الذين هُم أكرم الخلق، وهي سببٌ من أسباب دُخول الجنة، لِقولهِ -تعالى-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، كما ويفوز المُتقي فوق ذلك بمعيَّة الله -تعالى- ، وتأييده ونصره، وتكون سبباً لِمغفرة ذُنوبه، وتيسير أموره، ومن أعظم فضائل التَّقوى قاطبةً؛ محبة الله -سبحانه تعالى- للعبادة المُتَّقين، لِقولهِ: (إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ المُتَّقينَ).
أُيُّها المسلمون، إنَّ التقوى سببٌ من أسباب الدخول إلى الجنَّة ، ومحوِ السّيئات، وتهيئة الله تعالى لأسباب الفلاح، كما أنَّ الله -سبحانه وتعالى- يرفع عباده المُتَّقين فوق النَّاس يوم القيامة، لِقوله: (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، بالإضافة إلى ذلك فإنَّ الرَّحمة تتنزَّل على المسلم بسبب تقواه، ويُبشَّر صاحبها في الدُّنيا والآخِرة. أيُّها الفُضلاء، يستطيع المُسلم الوصول إلى التَّقوى من خلال تصحيح عقيدته وسُلوكه؛ بحيث تكون وُفق ما يُريده الله -تعالى-، وذلك من خلال فعل كل ما يُرضيه، واجتناب كل ما يُغضبه، ويعدُّ الإيمانُ سبباً من أسباب الوصول للتَّقوى، لِقولهِ -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، كما ويُمكننا الوصول إلى التَّقوى من خلال التَّفكُر في خلق الله -تعالى-؛ كخلق السَّماء والأرض، والطَّير والإبل، ومن خلال الصِّدق في سعينا إلى الله تعالى، واستقامة سُلوكنا وكلامنا.
الخطبة الثانية
معشر المسلمين، نحمدُ الله إليكم حمداً كثيراً طيِّباً مُباركاً فيه، ونُصلِّي ونُسلِّم على رسول الله صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلّمَ، عباد الله، اتَّقوا ربَّكم في السِّرِّ والعلن، واتَّقوه في جميع علاقاتكم وعلى اختلاف أحوالكم؛ إذ إنَّنا علِمنا ثِمار التَّقوى ومنافعها العظيمة على المسلم في دنيه ودنياه؛ فهي دِرعه الحَصين، وسلاحه المَتين في مواجهة الفتن ودَحر الصِّعاب، وليعلم المسلم أنَّ كل ما يَبذله لتحصيل التَّقوى والابتعاد عن المعاصي والهوى معلومٌ عند الله تعالى وسيُؤجرعليه، وأنَّ التَّقوى تشمل جميع أعمالنا وجوانب حياتنا؛ يقول الله -تعالى-: (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).
الدعاء
اللَّهم تقبَّل منَّا إنّك أنت السَّميع العليم، وتب علينا إنَّك أنت التَّواب الرَّحيم، اللَّهم إنَّا نسألك التُّقى والعَفاف والغِنى، اللَّهم يسِّر لنا سُبل التَّقوى وهيِّئ لنا أسبابها، وأعنَّا أن نكون من عبادك المُّتَّقين، اللَّهم آتنا في الدُّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النَّار، ربنا اغفر لنا، ولا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تَحمل علينا إصراً كما حَملته على الذين من قبلنا، ربَّنا ولا تُحمِّلنا ما لا طاقة لنا به، واعفُ عنَّا، واغفر لنا، وارحمنا، وانصرُنا على القوم الكافرين، ربنا لا تُزغ قُلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدُنك رحمة إنَّك أنت الوهَّاب.