خطبة جمعة عن الصبر
مقدمة الخطبة
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، الحمد لله الذي جعل جزاء الصبر عظيمًا وفضله كبيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، وصلّى الله عليه وسلّم تسليمًا كثيرًا.
الوصية بتقوى الله
عباد الله أوصيكم ونفسي المقصرة ب تقوى الله -تعالى-؛ فقد قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
الخطبة الأولى
عباد الله؛ لقد علمتم أنّ هذه الدنيا دار ابتلاء، فالله -تعالى- يبتلي عباده بالخير كما يبتليهم بالشرّ، وهذا ما يتطلب الصبر من العباد، وسبحان من جعل الصبر نصف الإيمان، وذكره في تسعين موضعاً في القرآن، ويعرف الصبر بأنّه حبس النفس، ويكون الصبر على ثلاثة أنواع:
- صبر عن معصية الله -تعالى-، ف النفس أمارة بالسوء ، والشيطان يزين المعصية لابن آدم، وهنا يجب علينا أن ننظر إلى سوء العاقبة للمعصية، وأن نتذكر مراقبة الله -تعالى- لنا، ونستحي منه -سبحانه-.
- صبر على طاعة الله -تعالى-، فالعبادات تحمل مشقة تحتاج إلى صبر، كمشقة الجوع من الصيام، وبذل المال المحبب في الصدقات، وغيرها من المشقات التي ترافق العبادات.
- صبر على الأقدار الصعبة والمؤلمة، فالإنسان أيها الأخوة معرض للوقوع في المصائب؛ فيكون الصبر عليها بعدم الجزع والندب، وترك الأفعال المحرمة كاللطم وشق الجيب.
أيها الأحبّة؛ إنَّ الصبر على المصائب يكون عند اللحظة الأولى من المصيبة، حيث قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إنَّما الصَّبرُ عندَ الصَّدمةِ الأولى)، ويقول الله -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، فيجب على المؤمن أن يصبر لينال أجر الصابرين .
ومما يعين على الصبر؛ الرضا بقضاء الله وقدره، والطمع بالأجر والجزاء الذي أعدّه الله -تعالى- للصابرين، واليقين بأنّ الله -تعالى- لا يجعل العسر إلا وبعده اليسر والفرج، ومما يعين على الصبر تذّكر نعم الله تعالى التي منّ بها على العباد.
وأجر الصابرين عظيم، فمن كان صابراً بالدنيا وفَّاه الله -تعالى- أجراً كبيراً في الآخرة، قال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)، وعِوض الله في الآخرة هو المبتغى.
قال شريح -رحمه الله-: "إني لأصاب بالمصيبة، فأحمد الله عليها أربع مرات، أحمد إذ لم يكن أعظم منها، وأحمد إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني"، وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-:" إنَّ أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أنَّ الصبر كان من الرجال كان كريمًا".
فمواجهة البلاء عباد الله يكون بالصبر عليه وليس أي صبر، بل ب الصبر الجميل كما قال الله -تعالى-: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)، فاطلبوا من الله أن يؤيدكم بالصبر الجميل واعلموا وتيقنوا أنَّ الله -تعالى- لا يُخيب أمل عبدٍ التجأ إليه وصبر.
عباد الله، إنَّ أمر المؤمن كله خير فإذا أصابه السوء والبلاء واجهه بالصبر والاحتساب، وإن أصابه السرورو واجهه بالحمد الكثير والدعاء بدوامه، قال -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيّها الأخوة: علينا أن نجعل من المصائب التي تصيبنا سببًا لمراجعة ذنوبنا فالله -تعالى- يقول: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)، فإذا تذكر العبد ذنوبه وعلم بتقصيره وجبت عليه التوبة والرجوع إلى الله -تعالى-.
واعلموا أنّ الصبر له فضل عظيم وشأنه كبير، فالله -تعالى- يُوفّي الصابرين أجرهم بغير حساب، كما أنّ الله -تعالى- قد أثنى على الصابرين وبشرّهم بالأجر الحسن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين".
الدعاء
عباد الله ادعوا الله -تعالى- وأنتم موقنون بالإجابة:
- (اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ، وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ علَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ، وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ علَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).
- اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
- اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
- اللهم قنا شح أنفسنا واجعلنا من المفلحين، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
- اللهم اجعلنا من الصابرين، الراضين بقضائك وقدرك يا رب العالمين.
- اللهم اجعلنا صابرين في البلاء وشاكرين في السّراء، وصلّى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- اللهم ارزقنا الصبر الجميل، واجعلنا من السعداء المقبولين.
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة.