خطبة بعنوان (رمضان شهر القرآن)
خطبة بعنوان (رمضان شهر القرآن)
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي أنزل الكتاب على عبده ولم يجعل له عوجا، الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعامين نذيرا، الحمد لله الذي نزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، الحمد لله الذي ضرب للناس في القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون، الحمد لله المتكفل بحفظ كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أدى الأمانة وبلّغ الرسالة، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وعلى من استن بسنته واهتدى بهديه وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
الوصية بتقوى الله تعالى
أوصيكم بتقوى الله العظيم، ولزوم طاعته، وأنتم مقبلون على شهر التقوى، فاتقوا الله وأحذركم ونفسي المقصرة من مخالفة أمره ونهيه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
الخطبة الأولى
أيها الإخوة الأحباب، شهر رمضان هو شهر القرآن، كيف لا وفيه نزل، قال الحق -سبحانه وتعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) ، وقال -عز وجل- في بيان اليوم الذي بدأ القرآن بالتنزل على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ، وهي ليلة القدر،وقال -عز من قائل-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) .
إخواننا الأفاضل، شهر رمضان هو شهر القرآن، وهو الشهر الذي كان يتدارس فيه أمين الوحي جبريل -عليه الصلاة والسلام- مع الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- القرآن، وقد ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: (كانَ يَعْرِضُ علَى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- القُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عليه مَرَّتَيْنِ في العَامِ الذي قُبِضَ فِيهِ).
ويزيدنا عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- بيانا عن لقاء جبريل -عليه الصلاة والسلام- الرمضاني مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيقول: (كانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أجْوَدَ النَّاسِ بالخَيْرِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ في رَمَضَانَ، حتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عليه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ، كانَ أجْوَدَ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ).
أيها الأحبة، القرآن الكريم ورمضان المبارك متشابهان في الأهداف التي يريد الله -سبحانه وتعالى- أن يغرسها في نفوسنا من خلالهما، ولعل أبرز أهداف القرآن الكريم ورمضان هي إقرار التقوى في النفوس، قال الله -سبحانه وتعالى- عن القرآن: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)، [10] وقال -عز وجل- عن رمضان المبارك: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) .
أيها الإخوة الأكارم، لقد كان سلفنا الصالح -رحمهم الله تعالى- يتبارون ويتسابقون في ختمات القرآن الكريم، فقد رُوي أن الإمام الشافعي -رحمه الله- كان يختم القرآن في رمضان ستين مرة، أي إنه كان يختم القرآن في النهار مرة، وفي الليل مرة، وذلك في كل يوم، وأما الإمام مالك -رحمه الله إمام دار الهجرة- كان في شهر رمضان يترك المجالس والكتب كلها، إلا مجالس القرآن الكريم، وتلاوة القرآن، فعرفوا قدر هذا القرآن.
وإن قلت -أخي في الله-: أن السنة أن يُختم القرآن في كل ثلاثة أيام؟ أقول لك: أن لشهر رمضان ميزة وخاصية، لا تعدلها في غيرها،ومما ذكر من مواقف سلفنا أن الزهري كان إذا دخل رمضان يقول: "إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام"، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن، وكان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه.
أخي الحبيب، فليكن لك في رمضان عدة ختمات، فختمة تتكرر للتلاوة، وختمة للحفظ ولمراجعة الحفظ، وختمة للتدبر، وختمة مع أبنائك وذويك وأصدقائك، أخي أقبل بكليتك على القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك -شهر القرآن-.
الخطبة الثانية
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وسيد المتقين وآله وصحبه أجمعين، وبعد، أيها الإخوة الأعزاء، هذا هو شهر رمضان المبارك، شهر القرآن، وفيه نزل في ليلة القدر المباركة، وكان يتدارسه النبي -صلى الله عليه وسلم- مع جبريل -عليه السلام- في كل ليلة من لياليه، وفيه تسابق المتسابقون من سلفنا الصالح.
أيها الأكارم، فلنتنافس نحن بالختمات، ولنحرص على تلاوته كما نزل؛ وذلك بتعلم أحكام التلاوة والتجويد، ولنلتحق بحلقات التعليم، وحِلَق الذكر التي تقام على مأدبته مع الأهل والإخوان، ولنخصص جزءً من أوقاتنا لحفظ ما تيسر منه، وليكن لتدبر آياته حصة يومية ننهل فيها من علماء التفسير ما يقربنا منه أكثر، ولا بأس بعمل شعار لكل يوم نختار فيه آية من كتاب ربنا -سبحانه وتعالى- نحاول تطبيقها والحياة في ظلالها.
الدعاء
- اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم.
- اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
- اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وغمومنا.
- اللهم اجعل القرآن العظيم حجة لنا لا علينا.
- اللهم اجعل لنا القرآن لنا رحمة وشفاء ونورا وهدى.
- اللهم ارفعنا بالقرآن وانفعنا بالقرآن واحفظنا بالقرآن وارحمنا بالقرآن.
- اللهم اجعل القرآن فرقانا بيننا وبين الباطل، اللهم ارفع به درجاتنا ونقي به سرائرنا واغفر به زلاتنا ونور به بصائرنا.
- اللهم شفعنا بالقرآن ونولنا به الدرجات العالية من الجنان.
- اللهم افتح لنا بحفظ القرآن، وتلاوة القرآن، وتدبر القرآن، وإجازة القرآن، وعلوم القرآن، وتعلم القرآن، وتعليم القرآن.
- اللهم اجمع القرآن في صدورنا، وأذقنا حلاوة سرده عن ظهر غيب، على الوجه الذي يرضيك عنا.
- اللهم اشرح به صدورنا ويسر به أمورنا، اللهم أرح به بالنا وأصلح به حالنا، اللهم اجبر به كسرنا وأهنئ به عيشنا.
- اللهم اجعلنا ممن يقرؤون فيرتقون.
- وصل يارب وسلم على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.