خصائص علم البلاغة
ما هي خصائص علم البلاغة؟
إنّ علم البلاغة من علوم اللغة العربية عظيمة الفائدة والنفع، وأكثرها بيانًا لجماليّات اللغة العربية وأساليبها، وهو علم يُعطي للدارس العديد من المَلَكات التي تفيد في فهم مكنونات الجمل، وله العديد من الخصائص التي تجعل دراسته تؤدّي إلى طرقٍ متنوعة من الفائدة اللغوية بسائر فنونها، ومن أهم خصائصهِ:
- علم يُعرفُ به إعجاز كتاب الله تعالى الناطق بالحق، واستيعاب تركيبه اللغوي.
- علم يؤدي إلى فهم ما يؤدي إلى حُسن التأليف وبراعة التركيب والوصول إلى بلاغة الإيجاز.
- علمٌ يؤدّي إلى فهم الأصول الفقهية والشرعية وما يترتب عليها من أحكام واستنباط من القرآن الكريم.
- علم تُعرفُ به دقائقُ علم العربية وخفاياها وأسرارها، والوجوه الإجمالية التي يتصرف بها عالم البلاغة أكثر مما يتصرف بها النحويّ.
- علم البلاغة هو الرافد الأصيل لعلم النقد الأدبي، وما يتفرع عنه من اتجاهات حديثة ومعاصرة استندت في جملتها على أصول البلاغة العربية.
أقسام علم البلاغة
لعلم البلاغة ثلاثةُ أقسامٍ رئيسة وهي: "علم البيان، وعلم البديع، وعلم المعاني" وقد أفردَ العلماء في كل مَبحث من هذه المباحث الثلاثةِ زاويةً من زوايا الجملة العربية لتتم دراستها وفق قواعد محددة، وتتدرج هذه الأقسام من ظاهر الجملة وصياغة حروفها إلى عميق معناها ومغزاها الذي يريد المتكلم أن يصل إليه تلميحًا أو تصريحًا، وفيما يأتي بيانٌ مُبسّطٌ لما في تلك الأقسام:
علم البيان
علم البيان هو القسم الذي يُعنى بدراسة الجانب الأكثر عُمقًا من علم البديع، فهو يغوص في معنى الجملة ويصل إلى تقارب المعاني فيما بينها، ويدرس المباحث التي تبين كيف يسلك المتكلم طريقًا ليكون كلامه مفهومًا بشكلٍ واضح، ومن خلال قواعده يبتعد المتكلم عن التعقيد المعنوي لأنه يسلكُ طرقًا أكثر سهولة في إيصال الفكرة المناسبة من خلال استعمال مباحث علم البيان التي تُتيحها اللغة العربية، ولا يعتمد في مباحثهِ على دراسة ظاهر الألفاظ في الجملة.
من مباحث علم البيان التشبيه وما يتفرع عنه من فروع وأقسام متنوعة، والمجاز وما يحويه من تقسيمات تتراوح بين البساطة والتعقيد، والاستعارة بفرعيها المكنية والتصريحية، والكناية وأقسامها، وتعد المعرفة العامة بعلم البيان من الأساسيّات التي لا يُمكن لطالبٍ في الإعدادية أو الثانوية أن يستغني عنها، لأنّه لا مبالغة إن قيلَ إنه لا توجدُ جملةٌ في اللغة العربية إلا وفيها من علوم البلاغة ما فيها، ولا سيما علم البيان.
علم البديع
هو القسم الذي يُعنى بدراسة وجوه تحسين الكلام في الجملة، وطرق هذا التحسين والتزيين الذي استعملته العرب في لغتها، وذلك مثل استعمال لفظتين متقاربتين في البنية، أو متطابقتين في عدد الحروف، أو كلمتين متضادتين، وغير ذلك، ويُعدّ علم البديع من أقرب علوم البلاغة إلى الفهم وأسهلها على الدارسين، لأنها تدرس الفروق المُلاحَظةَ من قبل المتلقي، ولا تحتاجُ إلى الكثير من التمحيصِ والتحليل والفهم العميقٍ لما وراء الكلام من مقاصد.
من مباحث علم البديع المحسنات اللفظية وما تشمله من جناسٍ، واقتباس، وسجع، والمحسنات المعنوية وما تشمله من تورية، وطباق، ومقابلة، وحسن تعليل، وتأكيد المدح بما يشبه الذم، وتأكيد الذم بما يشبه المدح، وأسلوب الحكيم، وكل تلك المباحث تدرس اللفظ وما يجري عليه من تغييرات تؤدي إلى إحداث تغيير معين في المعنى، وبما أن الفصاحة تطلق على اللفظ، والبلاغة تُطلق على المعنى، فيُمكن لقائلٍ قولُ "هذا اللفظ فصيحٌ" استنادًا إلى علم البيان أو إلى علم المعاني، وكذلك يمكنه قولُ "هذا المعنى بليغٌ" استنادًا لهما أيضًا، أما استنادًا إلى علم البديع فلا يُمكن الحكم على اللفظ أو المعنى بالفصاحة أو البلاغة، لأن علم البديع يُعنى بتزيين الكلام لا غير.
علم المعاني
أما علم المعاني فهو الأشد عمقًا ودخولًا إلى صميم الجملة العربية وتكوينها، فهو يتوجه إلى دراسة المكوّن المعنوي للجملة وعلاقته بالجمل الأخرى، ويدرس النص بشكل متكامل من حيث مناسبته للموقف المُراد وما قد ينتج عن هذا الكلام من فهم، فهو علم يحاول تجنب الفهم الخاطئ لمقصد المتكلم، كما أنه يبحث في إيجاز النص أو إطنابه أو مناسبته للموقف من حيث الكثافة والمغزى.
من مباحث علم المعاني تقسيم الكلام إلى خبرٍ وإنشاء، وبيان كل منهما وما يحتويه من مباحث، فيجد الباحث في علم المعاني الغرض من إلقاء الخبر، وأضرُب الخبر، وخروج الخبر عن مقتضى الظاهر، أما الإنشاء فينقسم إلى طلبيٍّ وغير طلبي، وينقسم الطلبي منه إلى أمرٍ ونهيٍ واستفهامٍ وتمنٍّ ونداء، أما غير الطلبي فينقسم إلى مدحٍ وذمٍّ وقَسَمٍ وتعجُّب ورجاء، بالإضافة إلى صيغ العقود.
الهدف من دراسة علم البلاغة
لدراسة علم البلاغة العديد من الثمرات التي يجنيها الدارس في أكثر من مجال، فهو يسعى إلى عدة أهداف، ومنها:
الهدف الديني
يتّجه علم البلاغة بشكل أساسي إلى فهم تكوين الجملة القرآنية، وارتباط الجملة بغيرها من الجمل، وما يترتب على ذلك من بديع التجليّات في اللغة العربية ومعانيها، وما ينتج عن ذلك أيضًا من تنوع وتعدد في فهم الجملة، وهذا بالإضافة إلى علم النحو ما ساعد علم أصول الفقه في نشأته وتعدد روافده، وهذا ما أدى أيضًا إلى تنوع الأحكام الفقهية في المسألة الواحدة، كما أن هذا الهدف يشتركُ أيضًا مع الحديث النبوي الشريف وفهم ما جاء فيه على أفضل وجه.
الهدف العلمي
يهدف علم البلاغة إلى التآزر التكاملي مع علم النحو، مما يجعل آليّة علم النحو تتخذ طابعًا أكثر إنصافًا وانسيابيةً بالنسبة لجماليات الجملة العربية، فالنحو في الأصل يتّكئ على علم الصرف الذي يبحث في بنية الكلمة ووزنها، وعلم النحو يبحث في محلها من الإعراب، وهذا ما يجعل علم البلاغة مُكمِّلًا للنحو والصرف، وصديقًا حميمًا لا يُستهانُ به لكل من هذين العلمين الزاخرين، فهو يهدف إلى الإضافة الفنية من جهة والعلمية من جهة أخرى.
الهدف الأدبي اللغوي
إن علم البلاغة بما فيه من دراسات للتراكيب وتمحيص للفصيح من القول ينحو نحو البليغ من اللغة، وتعلم هذا العلم من خلال هذا الاعتبار يؤدي إلى تنمية القدرات اللغوية والأدبية لدى الدارس، إذ تمنحه تلك الدراسة مخزونًا لغويًا يستطيع من خلاله أن يحسّن قدرته على التأليف والكلام، وتزيد إحساسه بالعنصر الفني الأدبي أينما ورد، كما يستطيع من خلاله أن يميز بين الجيد والرديء من كلامه أو كلام غيره، وهو بالتالي يصنع السمة الناقدة في دارسهِ، ويعطيه الأساسيّات التي يستند عليها ليكون في ما بعد جاهزًا لدخول علم النقد الأدبي.
أشهر كتب البلاغة
تعد المؤلفات في علم البلاغة العربية وما يتفرع عنها من أقسام غير قابلةٍ للحصر بين عُلاء قُدامى ومُحدثين ومعاصرين، وفيما يلي بيانٌ لأهمّ الكتب في هذا العلم:
أسرار البلاغة
كتاب عظيم للعلامة عبد القاهر الجرجاني، وهو من مصادر علم البلاغة وكتبه الأساسية، وهو كتاب يشمل تقسيمات علم البلاغة بأسلوب واضح، ولكنه يقدم ما لديه بعبارة بليغة وسبك متمكن، ويأتي فيه على آراء كان له فيها الأولوية في الطرح. وعبد القاهر الجرجاني من مواليد العصر العباسي الثاني، ولد عام 1009 ميلادية، ويعد مؤسس علم البلاغة.
أساس البلاغة
يعد أساس البلاغة للعلامة محمود بن عمر الزمخشري معجمًا متكاملًا لهذا العلم ومصطلحاته، فهو يتناول علم البلاغة بطريقة تفصيلية تعريفية، مفهرسةً بطريقة مرنة، مما جعله سريع الانتشار بين طلبة علم العربية، وهو عالمٌ من إيران من مواليد 1075 ميلادية، وقد اشتُهر بأنه صاحب الكشّاف في التفسير، وله العديد من المؤلفات في علوم الأدب واللغة.
دلائل الإعجاز
أثناء الحديث عن كتب البلاغة لا بد من الحديث عن أكثرها أهمية وأولها في الرتبة، وهو كتاب دلائل الإعجاز للعلامة عبد القاهر الجرجاني، فما تزال الدراسات حول هذا الكتاب مستمرة حتى الآن، إذ قدم فيه الجرجاني رؤية جديدة لعلم البلاغة حيث أقام فيه نظريته في هذا العلم وأثار قضية نظرية النظم، ويسعى إلى دمج النحو بالبلاغة متجهًا إلى فهم القرآن الكريم من هذه الزاوية، وهو مصدر عظيم للمتخصصّين في الدراسات البلاغية أو في مجال اللغة العربية.
الإيضاح في علوم البلاغة
يأتي كتاب الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني بمثابة شرح لكتاب آخر، وهو الكتاب الذي قدّم فيه اختصارًا لكتاب السكاكي "مفتاح العلوم"؛ إذ بسّط فيه القزويني القول وشرح العبارة الشائكة، وأضاف بعض الإضافات التي تحتاج إلى بيانٍ وتفصيل، واستدركَ فيه بعض الأمور التي لم يذكرها في اختصاره السابق، كما تحدّث فيه عن بعض القضايا التي قدّمها عبد القاهر الجرجاني في الدلائل، والخطيب القزويني عالمٌ عراقيٌّ من الموصل، من مواليد عام 1268 ميلادية.
جواهر البلاغة
يعد كتاب جواهر البلاغة لمؤلّفه المصريّ الأستاذ أحمد الهاشمي من أهم المراجع التي تُعنى بتقديم المادة العلمية بأفضل ما يمكن، بلغة أدبية سليمة، وشواهدٍ أدبيةٍ من الشعر والنثر تُثري دارس هذا العلم بما يساعده على الفهم، وقد ولد الأستاذ أحمد الهاشمي في القاهرة سنة 1878 ميلادية، وكان مُدرّسًا لعلوم اللغة العربية ومديرًا للعديد منها في ما بعد، وله عدد من المؤلفات في علوم الأدب واللغة.
البلاغة الواضحة
كتاب البلاغة الواضحة من تأليف الأستاذ الصحفي مصطفى أمين من مواليد 1914م، والأستاذ الأديب الكاتب علي الجارم من مواليد 1881م، وكلاهما من مصر، وهو كتاب يجمع أقسام البلاغة بشكل مبسط للطلبة والناشئة، مشفوعًا بالكثير من الأمثلة الشعرية والنثرية، ويعد مرجعًا مفيدًا لطلاب المدارس والمبتدئين في علم البلاغة، ومن يود الاطلاع على هذا العلم قبل الخوض في مصادره.
ختامًا، يجدُ الباحث في علم البلاغة أنه أمام بحرٍ زاخرٍ ليس له مرفأ، إذ إنَّ هذا العلم شديد الصلة بجماليات فنون اللغة العربية وآدابها، وطالما أنه يخوض في هذا الميدان فلا شكّ أنه سيكونُ أبديًّا لا ينتهي ولا يزول ما دامت اللغة العربية باقيةً بين الألسنة، وما دام القرآن الكريم يُتلى على هذه الأرض.