خصائص الموشحات
خصائص الموشحات
الأغراض
لم تتغير أغراض الموشح في بدايته عن الأغراض التقليدية المعروفة قبلها، خاصة ما جاء من شعر الطبيعة والخمر والغزل، فكانت لغة الموشحات مليئة بوصف الطبيعة الأندلسية والتغني بها، وكان العامل الأهم في هذا النظم هو الغناء والموسيقى التي صاحبت مجالس اللهو والمجون، فقد كان الوشّاح الأندلسي يجد البيئة الفضلى له كي يبدع في الموشحات الخمرية أو الغزلية، كما كانت هذه الموشحات محتوية على مواطن الضعف في اللغة بسبب بعدهم عن مواطن اللغة في الشرق واختلاطهم بالعناصر الأجنبية في الأندلس.
أما أشهر هذه الأغراض وهو الغزل فقد أبدع الشعراء في نظم هذا النوع من الموشحات الذي كان يصور لوعة الحب والاشتياق للمحبوبة، ولا ينسى وصف جمال المحبوبة وصدها والحديث عن الواشي والرقيب على حبهما، ولقد كتب أكثر الوشاحين في هذا الغرض لأنه يتحدث عن الحب والشوق في جو من البهجة والغناء، ومن أجمل الأمثلة على ذلك قول أبي هريرة العبسي التطيلي:
- ضاحك عن جمان
- سافر عن بدر
- ضاق عنه الزمان
- وحواه صدري
- آه مما أجد
- شفّني ما أجد
- قام بي وقعد
- باطش متئد.
هذا وقد تميزت موشحات الغزل بسهولة العبارة والعذوبة التي تتناسب مع الغناء ومجالس اللهو والشراب، خاصة وأن موشحات الغزل مرتبطة بشكل مباشر مع الخمر ووصف الطبيعة.
أما الغرض الثاني من أغراض الموشح هو الخمر والتي صاحبت مجلس الطرب والاستمتاع، فكان الشاعر يربط بين الغزل والخمر حتى يغيب في عالم الحب الذي يعيشه ومنها موشحة ابن زهر التي يقول فيها:
أَيُّها الساقي إِلَيكَ المُشتَكى
قَد دَعَوناكَ وَإِن لَم تَسمَع
وَنَديمٌ هِمتُ في غُرّتِه
وَشَرِبت الراحَ مِن راحَتِه
كُلَّما اِستَيقَظَ مِن سَكرَتِه
جَذَبَ الزِقَّ إِلَيهِ وَاِتَّكا.
ومن الأغراض أيضًا المدح، فكان الوشاح يستخدم المدح بغرض التكسب واستمالة قلوب الحكام ومن يعمل في بلاط الخلفاء، ولا ننسى أن المدح كان يستهدف المرأة في غرض الغزل أيضًا، بل قلما كان يأتي هذا الغرض منفردًا، إنما كان يمثل ثالوثًا مجتمعًا مع الغزل والمدح والوصف ، وبالطبع هذا كله كان يندمج في مجالس اللهو والغناء في القصور.
ومن أشهر ما قيل في هذا الغرض موشح الوزير الطيب أبي عامر محمد الشاطبي يمدح أمير قرطبة من المرابطين حيث يقول:
راج عدلك يزهر قد عمّ كل العباد
- ونور وجهك يبهر سناه للخلق باد
- أنت العزيز الأبي. والملك ملك الأنام
- أنت السراج الوضي.. والبدر بدر التمام
- ليث إذا ما الكمي.. قد هاب روع الحمام.
ومن الأغراض كذلك الموشح الزهدي الصوفي ووصف الطبيعة والرثاء والهجاء.
اللغة
اللغة الفصيحة هي لغة الموشح في الأغلب ولكنها تختلف عن غيرها بتخلصها من قيود القافية والوزن وهو ما استدعاه وتطلبه الإيقاع الموسيقي والغناء الذي انتشر في البيئة الأندلسية، كما تميزت لغة الموشحات بالسهولة والبساطة المتناغمة مع الإيقاع الموسيقي.
أما من حيث التعبير فقد بحث الوشاح حول التعبير البعيد عن التكلف والتصنع الذي يعقد الإيقاع الموسيقي أحيانًا، وكما ذكرنا سابًقا يوظف الوشاح الفصيحة في موشحته، إلا أنه وفي المجال ذاته يستخدم اللغة العامية أو العجمية في الخرجة، وفيما يختص بعلامات الإعراب فقد تخفف منها الموشح؛ لأنه كان يسكن الآخر ليتناسب مع الغناء وسهولته.
الأوزان
بقيت القصيدة تحافظ على أوزانها دون أي إخلال حتى جاء الوشاحون فقلبوا الموازين رأسًا على عقب، وما حرمه الخليل بن أحمد الفراهيدي أجازه الوشاح الأندلسي الذي رفض التكلف في الألفاظ والأوزان حتى يتمكن من ضبط الإيقاع الموسيقي لموشحته، وعلى الرغم من هذه الثورة على أوزان القصيدة العربية لعدم تقبل الذوق العربي لها، إلا أن التدريب والمران على الاستماع إليها ساعد في تذوقها وقبولها واستشعار مواطن الجمال وروعة النغم فيها.
تحدث ابن سناء الملك في كتابه الطراز عن الخروج على وزن القصيدة المعروف في بعض الأحيان من خلال أقسام متعددة، واعتبره من المرذول وهو ما يسمى بالمخمسات، واعتبر أن من يفعله من ضعاف الشعراء ومثله كثير ممن رفض الخروج على الأوزان الخليلية، ومن أمثلة خروج الوشاح على الوزن في شيء من موشحته والإبقاء على بعض الأوزان قول لسان الدين الخطيب في موشحته:
جادَكَ الغيْثُ إذا الغيْثُ هَمى
:::يا زَمانَ الوصْلِ بالأندَلُسِ
لمْ يكُنْ وصْلُكَ إلاّ حُلُما
:::في الكَرَى أو خِلسَةَ المُخْتَلِسِ.
القوافي
تفنن الوشاحون في تنويع القوافي الشعرية على عكس ما تعوده أهل الشعر في القصيدة العمودية، مما زاد في الإيقاع الموسيقي وأمدّ الموشحة بالحيوية والتأثير، فقد تبلغ القوافي أحيانًا في الموشحة الواحدة عشر قوافي وقد تقتصر على قافيتين فقط.