خصائص المذهب الوضعي
المذهب الوضعي
تعرف الفلسفة الوضعية "Positivism" على أنها إبستمولوجيا العلوم التي تعتمد على البرهنة التجريبية، ولا تأخذ بأي فكرة لا يمكن إثباتها من خلال التجربة، فكل ما يدخل ضمن إطار الاعتقاد أو الميتافيزيقا لا يمكن برهنته، إذن ليس علميًا بالنسبة للتيار الوضعي،وقد أكد المفكرون الوضعيون ضرورة توافر شرطين لفهم الظواهر وفقًا للمذهب الوضعي، وهما أن الظواهر لا تسير وفقًا للمصادفات، وضرورة معرفة الناس لقوانين الظاهرة، وهذا الأمر تطلب التأسيس لعلم الاجتماع.
خصائص المذهب الوضعي
يتميز المذهب الوضعي بمجموعة من الخصائص التي جعلت منه مذهبًا رائدًا في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وهذه الخصائص كالآتي:
التجربة كأداة للاختبار
وبهذه الخاصية هاجم التيار الوضعي كل الأفكار اللاهوتية، وعُد التفكير اللاهوتي من الأفكار المرتبطة بالمراحل الأولية للبشرية، ومن خلال العلم والمنهج العلمي اختفى التفكير الميتافيزيقي، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخاصية عملت على تطوير العلوم الاجتماعية وانفصالها واستقلاليتها عن العلوم الأخرى وتحديدًا الفلسفة، فأوغست كونت هو مفكر وضعي منطقي، أسس لعلم الاجتماع، وأصبح رائدًا له من خلال رؤيته الوضعية للظواهر الاجتماعية.
فالاتجاه الوضعي يستند إلى الأدلة العلمية والمشاهدات لدراسة الظاهرة الاجتماعية ، ومن ثم اختبار الفرضيات التي تمت صياغتها للتفسير النظري، وفي حال نجحت يتم تعميمها، وبعد الدراسة الدقيقة والأدلة المثبتة بالتجريب، وفي حال فرضت يصيغ المفكرون فرضية أُخرى، ومن خلال المنهجية العلمية تصبح الظاهرة الاجتماعية كالظاهرة العلمية، ويعد الهدف الرئيسي للاتجاه الوضعي هو أن يتم الوصول بدراسة الظواهر الاجتماعية إلى نفس المستوى العلمي للظاهرة الطبيعية، وتجدر الإشارة إلى أن الاتجاه الوضعي لا ينصاع إلى أي سلطة خارجية، سواء أكانت أيديولوجيا أو دينية، فضرورة استقلالية دراسة الظاهرة أمرًا في غاية من الأهمية.
شموله لكافة العلوم الإنسانية
إن الاتجاه الوضعي شامل لكل فروع العلوم الإنسانية والاجتماعية، ويظهر ذلك من خلال النقاط التالية:
- المجال الاجتماعي: ويمكن من خلاله فهم الظاهرة الاجتماعية فهمًا دقيقًا وعمليًا بعيدًا عن المفاهيم الغامضة والمعقدة، ويقدم حلولًا تتناسب مع واقع الحالة.
- المجال التربوي: يساعد الاتجاه الوضعي على صياغة منظومة تربوية وأخلاقية، تصقل من شخصية الفرد، وتجعله ملتزمًا بالأسس الأخلاقية الإنسانية دون الرجوع إلى مرجعية أو أيديولوجيا معينة.
- الدراسات السياسية والاستراتيجية: وتظهر أهمية الاتجاه الوضعي في التأسيس لفصل السلطات الدينية والسياسية، فالدين يقع ضمن المجال الشخصي والخاص، والسلطة السياسية تنفرد بصنع السياسة الخاصة بالمواطنين، كما ساهم الاتجاه الوضعي في تحقيق التوازن بين النظام والتقدم في المجتمعات الحديثة، وهذه العملية معقدة تتطلب تفكيرًا منطقيًا وواقعيًا.
- علم الجمال، وفلسفة الفن: يرى مفكرو المذهب الوضعي أن من وظائف الفن التعبير عن الواقع في المجتمعات الحديثة، وبذلك يكون للفن نظرة تقدمية.
- المجال الاقتصادي: يتميز الاتجاه الوضعي بقدرته على تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتحقيق التوازن، وتنظيم العلاقة بين رأس المال والعمل.
قواعد المنهج الوضعي
تطور الاتجاه الوضعي وأصبح منهجًا لدراسة العلوم، وصيغت قواعده على يد العديد من علماء الاجتماع، من أهمهم العالم إيميل دوركايم، ويمكن تلخيص قواعد المنهج الوضعي في النقاط التالية:
- الموضوعية قاعدة أساسية في فهم الظاهرة، لاعتبار موضوع الدراسة مستقلًا تمامًا عن الذات التي تدرسها.
- يتوجب على الباحث ألا يطلق أي حكم مسبق، ولا يكون أسيراً لتفسيرات العلماء السابقين، وهذه القاعدة لها جذور في الفلسفة الحديثة.
- ضرورة معرفة الخصائص المشتركة بين الظاهرة التي تشكل موضوع الدراسة والظواهر الأُخرى، وفي ذلك تسهيل لتشكيل نظرة شاملة للظواهر وتصنيفها.