خصائص المدرسة الواقعية
ما هي خصائص المدرسة الواقعية؟
ظهرت المدرسة الواقعية الرومانسية في القرن التاسع عشر، اعتراضًا على المدرسة الرومانسية، واتسمت بمجموعة من الخصائص بينها:
الموضوعية
تعد الموضوعية واحدة من أهم خصائص المدرسة الواقعية، التي ترفض الخيال المطلق المبالغ فيه، الذي لا فائدة منه، إنّ الأدب في نظر رواد المدرسة الواقعية هو ذاك الذي يُمكنه بواسطه، بناء الحياة الإنسانية والابتعاد عن الخيال والتخيّلات، التي لا طائل منها، بل إنّ وظيفة الأدب الأساسية، هي وصف الواقع الحقيقي وصفًا دقيقًا.
أي إنّ وظيفة الأديب هي أن يواجه الواقع، ويتمكّن من حل المشكلات التي يعيشها من خلال الكلمة، والأديب الحقيقي: هو الذي يجعل من حاضره نقطة انطلاق نحو مستقبله، ذلك المستقبل الذي يراه بعيني الحاضر، وكأن الشاعر يتحدّ مع واقعه اتحادًا صوفيًا، فيكون والكون شيئًا واحدًا، حتى يتمكن من التأثير بالمحيط، الذي يعيش فيه.
اعتماد أسلوب النثر
تعرف المدرسة الواقعية بتفضيلها النثر على الشعر ، فقد اعتمد روادها في ذلك على نظرية لهم تُؤكد: أنّ النثر أقرب إلى العامة من الشعر، فالشعر يحتاج إلى ذهن متوقد، وعقل متفرد حتى يتمكّن الإنسان من فهمه، وإذ كان الأدب هو وسيلة، لوصف المشكلات الحياتية والهموم اليومية و أنّ الأدب هو من أجل الأدب فقط، فلا داعي للإرهاق في التعقيدات.
ويبقى النثر الذي يعد أول مادة ألفها الإنسان وهو قريب من اللغة اليومية، التي تُستعمل، لذلك فقد اتجه رواد هذه المدرسة إلى المسرحية والقصة حتى يبثوا من خلالها مشاعر النّاس، ويتمكنوا من الوصول إلى المطلوب بأسهل الطرق.
واشتهر في ذلك النوع من الأدب في أوروبا إيميل زولا، الذي كتب مجموعة من القصص، التي استمدها من التاريخ الفرنسي، وبدورها تُعالج مشكلات اجتماعية.
وضوح الرؤية
إنّ المنهج الأساسي الذي تقوم عليه الواقعية الأدبية هي وضوح الرؤية، سواء كان ذلك بالنسبة للحاضر، أم بالنسبة للمستقبل، فالمطلوب من الأديب: أن تكون نظرته من الأعلى واضحة موضوعية، محيطة بالمجتمع بأكمله بعيدًا عن الذاتية، ومن ثم ينظر إلى المستقبل بنفس تلك النظرة، بتأمّل الأديب واستشرافه للمستقبل.
بناءً على العوامل التي بين يديه، ولا بدّ أن يكون كلامه دقيقًا مستندًا على أدلة بعيدًا عن العبثية المراهقة، أو التكهن الذي لا طائل منه، لذلك فإنّ المذهب الواقعي هو مرآة المجتمع على وجه الحقيقة، ولا بدّ من تمتع الأديب بمقدرات خاصة، تُعينه على وضوح الرؤية فلا بدّ من تمتعه بالحكمة، والفهم ودقة الملاحظة، والذكاء وسرعة البديهة.
القدرة على التجدد
لقد استطاعت المدرسة الواقعية، أن تُمثل الواقع مهما كان زمانه ومكانه، وأن تجدد المدرسة من ذاتها، بحيث تُساير ركب المدارس الأدبية التي ظهرت من قبلها، ولا تذوب في المدارس الأدبية، التي جاءت من بعدها، واستطاعت المدرسة الواقعية أن تتجاوز الحدود المكانية والزمانية، فصارت الواقعية مرآة للشعوب في المجتمعات كافة، لأنّها تُسطر معاناة الإنسان نفسه.
وهذا كله منحها القدرة على التجدد، إذ معاناة الإنسان في تجدد دائم باختلاف لأسباب؛ لذلك فإنّ أدب الواقعية نفسه متجدد، بسبب تجدد المحتوى والموضوع، بمعنى آخر إنّ مبادئ هذه المدرسة كانت نسبية؛ بسبب تغير الظروف الاجتماعية.
التركيز على الجوانب المجتمعية الإنسانية
إن الإنسان هو القضية الأولى في المدرسة الواقعية، فهو محور الكون ومنه تستمد القضايا، وهي تدور حوله، إن الأدب الواقعي يعالج القضايا الاجتماعية ويركز على حالة الصراع، التي تجري ما بين الإنسان وبيئته أو المجتمع الذي يعيش فيه.
لقد جعل رواد المدرسة الواقعية مذهبهم الأدبي قائمًا على معالجة المشاكل الإنسانية: من الفقر والظلم والتعذيب الذي يلاقيه الإنسان في حياته، تختلف حالة الإنسان ما بين الحب والحزن والفرح، وبذلك تختلف المشكلات التي تتعرض لها كل حالة.
بمعنى آخر إن الإنسان الذي تدور الواقعية حوله، هو الإنسان المظلوم الذي يعاني بحرقة من مآسي المجتمع، وليس الإنسان العاشق فقد تناولت المدرسة الرومانسية الإنسان في حالة العشق، وليس الإنسان المثالي، إذ كان مدار المدرسة الكلاسيكية حول ذلك النموذج.
لقد تناولت الواقعية، الحالة الإنسانية وجعلتها نموذجًا في الأعمال الأدبية فالشخص في القصة هو بمثابة التوثيق لتلك الشريحة من أبناء المجتمع، مثل: تصوير الكادح أو العامل أو الرأسمالي أو غيرها.
التحرر من قيود المذهب
إنّ أهم ما في الواقعية أنها لا تخضع لشيء معين أي أنّها لا تخضع لمبادئ مذهب بحدّ ذاته على الإطلاق، إذ المعطيات تتغير بتغيّر الظروف وتغير الحياة الاجتماعية، والمآسي التي يُعاني الإنسان منها، ببساطة إنّ المذهب هو: الخيط الذي يُؤدي إلى خنق المدرسة الأدبية، بسبب التزمت العالي، لكنّ المذهب الواقعي لم يُعاني من ذلك.
وذلك لأنّ محور دراسته هو الإنسان والتعبير عن قضاياه، التي لا بدّ من الوقوف معها، من أجل إصلاح الإنسان أولًا، وإصلاح المجتمع ثانيًا، إنّ المبادئ تؤدي إلى إرهاق العمل الأدبي، بحيث تبقى المدرسة تدور في فلك واحد كالرومانسية التي تبقى دائرة في فلك العشق.
أمّا الواقعية: فأفلاكها عديدة، لأنّها مرتبطة بالمتغير الأول وهو الإنسان، إنّ أي مجتمع اختمرت فيه أدوات الجمال يستطيع أن يرى من خلال مرآة الواقعية انعكاسه بمختلف شرائح المجتمع.
المدرسة الواقعية: هي المدرسة التي استطاعت أن تكون مرآة للإنسان، مهما تغير هو، ومهما تغير المجتمع من حوله، فهي قادرة على تصوير الرأسمالي، والإقطاعي والظالم والفقير والمعدوم، والأم المضحية، والرجل الظالم، والمرأة الضعيفة والأخ القاسي، إنّ الواقعية بحدّ ذاتها: هي بمثابة القلم الذي يخطّ الظروف الاجتماعيّة بدقة لا مثيل لها، لذلك استطاعت أن تكون الواقعية: من أنجح المدارس الأدبية على الإطلاق.