خصائص المدح في الشعر الجاهلي
خصائص المدح في العصر الجاهلي
بالرغم من تعدد موضوعات المدح في الشعر الجاهلي إلا أنها التقت بعدد من الخصائص الفكرية والفنية، وتوضيحًا لها فيما يأتي:
الخصائص الفكرية
لشعر المدح الجاهلي خصائص فكرية امتاز بها نذكر منها الآتي:
- ارتباط شعر المدح الجاهلي بالحياة العامة
حيث اختلفت معاني المدح باختلاف الطبقات والطبائع والثقافات، واتصال الشعراء بالحضارة والبداوة، فكان المدح لشيوخ القبائل بوصفهم بالكرم وحسن الجوار، وللقادة بالشجاعة وإغاثة الملهوف، وللملك بفك الأسرى والترف، ومن أبرع الشعراء بذلك الأعشى الذي كان يجيد اختيار الأفكار الملائمة للمدوح.
- نقل شعر المدح الجاهلي الأحداث التاريخية
حيث كان المدح الجاهلي يجسد حياة العرب اليومية، ومثلهم العليا، وبداوته وحضارتهم، وتسجيل علاقاتهم مع جيرانهم من فرس وروم وأحابيش، ونجد ديوان الأعشى والنابغة من دواوين الشعر الجاهلي التي جسدت تاريخ العرب قبل الإسلام.
الخصائص الفنية
انفرد شعر المدح الجاهلي بخصائص فنية نذكر منها الخصائص الآتية:
- المبالغة
حيث كان الشعراء يلجؤون للمبالغة في تصوير خصال وصفات الممدوح؛ للوصول إلى إرضائه، حيث أخذ الشعراء بالغلو وتضخيم الصور، وهذا يعود إلى أن الصدق عند الشاعر ليس بنقل الحقيقة إنما بالصورة التي يقدر الشاعر على إظهارها، فهذا النابغة الذي يصور سيوف الفساسنة التي تشطر الفارس، وتشعل الشرار عند اصطدامها بالأرض، وذلك في قوله:
تقد السلوقي المضاعف نسجه
- وتوقد بالصفاح نار الحباحب
بضربٍ يزيل الهام عن سكناته
- وطعنٍ كإيزاغي المخاض الضوارب
لهم شيمةُ لم يُعطها الله غيرهم
- من الجود والأحلام غير عوازب
محلتهم ذات الإله ودينهم
- قويم فما يرجون غير العواقب
- مزج المدح بالقصة التاريخية
لقد زخرت مدائح شعراء الجاهلية بالقصص التي عرضت بأسلوب فني رائع، وقد لا تتجاوز الأقصوصة أكثر من أبيات قليلة إلا أنها تلون الشعر الغنائي بلون ملحمي، فقد سرد الأعشى في قصيدته الميمية في مدح قيس بن معد يكرب أقصوصتين الأولى عن قصر الحضر والثانية عن سيل العرم.
أجمل أبيات شعر المدح الجاهلي
كثرة القصائد المدحية في العصر الجاهلي ومن جميل ما قيل في المديح الأبيات الآتية:
- قصيدة الدالية للشاعر الحطيئة مادحًا آل شماس ومنها:
أتت آل شماس بن لأي وإنما
- أتاهم الأحلام والحسبُ العِد
فإن الشقي من تُعادي صُدورهم
- وذو الجدِ من لانو إليه وَمن ودوا
يسوسون أحلاما بعيدًا أناتُها
- وإن غصبوا جاء الحفيظة والحد
أولئك قوم إن بنو أحسنواالبُنى
- وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا.
- عنترة بن شداد مادحً كسرى انوشروان:
ياأيها الملك الذي راحاتُهُ
- قامت مقام الغيث في أزمانه
يا قبلة القصاد يا تاج العُلا
- يابدر هذا العصر في كيوانه
يا مخجلًا نور السماء بجوده
- يا منقذ المحزون من أحزانه
يا ساكنين دار عبس إنني
- لاقيت من كسرى ومن إحسانه
ما ليس بوصف أو يُقدر أو يفي
- أوصافه أحدٌ بوصف لسانه
ملك حوى رتب المعالي كلها
- بسمو محد حل في إيوانه.
- حسان بن ثابت يمدح أمراء البلاط الغساني:
يغشون، حتى ما تهر كلابُهُم
- لا يسألون عن اليواد المقبل
يسقون من ورد البريص عليهم
- بردى يُصفقُ بالرحيق السلسل
بيض الوجوه كريمة أحسابه
- شُم الأنوف من الطراز الأولى
فعلوت من أرض البريص إليهم
- حتى تكأت بمنزلٍ لم يوغل.
- الأعشى يمدح هوذة بن علي سيد بني حنيفة:
إلى هوذه الوهاب أهديت مدحتي
- أرجي نوالًا فاضلصا من عطائكا
سمعت بسمع الباع والجود والندى
- فأدليت دلوي، فاستقت برشائكا
متى يحمل الأعباء لوكان غيره
- من الناس لم ينهض بها متماسكا.
- النابغة الذبياني يمدح الملك الغساني عمرو بن الحارث:
كليني لهم، يا أميمة، ناصب
- وليلٍ أُقاسيه، بطيء الكواكب
علي لعمرو نعمة، بعد نعمة
- لوالده ليست بذات عقارب
ونفتُله النصر، إذ قيل قد غزت
- كتائب من غسان، غير أشائب
إذا ما عزوا بالجيش، حلق فوقهم
- عصائب طيرٍ، تهتدي بعصائب
ولاعبت فيهم عبر أن سيوفهم
- بهن فلولٌمن قراع الكتائب.