خصائص الشعر الملحمي
ما هي خصائص الشعر الملحمي؟
إن الأساس في الشعر الملحمي هو أن يكون قصصيًا، بمعنى أنه يسرد حادثة، أو سلسلة حوادث، من خلال التشبيهات، والمحسنات اللفظية، والأوصاف ، التي توضح الفكرة، وتُعرف الملحمة بأنها قصة شعرية بطولية وقومية، تقوم على خوارق الأمور، والعادات المختلفة، وتتميز بالخلط بين الحقائق بالأساطير، وتغلغل الأشعار الدينية الروحية في كل جوانبها.
فالملحمة تمثل الطابع القومي، لما تحويه من تاريخ الشعوب، من ناحية؛ الروابط الدينية، والاجتماعية، والفكرية، والفلسفية، كما تمثل الجوانب السياسية، والاقتصادية، والحربية، وتظهر الجانب البطولي للقادة.
ومن أهم خصائص الشعر الملحمي، ما يأتي:
تجلي طابع البطولة
يتجلى الطابع البطولي بانفراده بقيمة عالية في التراث الشعبي، وهذا ينبع من القيمة الإنسانية، التي سعت الملاحم إلى إبرازها في الشعر الملحمي على مر العصور، ولا يمكن التخلي عن الشخصيات البطولية في الملاحم فهي عماد أساسي لها، ويعود السبب في ذلك؛ إلى طبيعة الحضارات القديمة، التي كانت ترتكز شعوريًا، ولا شعوريًا على القيمة الجماعية لأي عمل.
كما أن هناك دافعًا لتمجيد البطولات سببه الشرّ، الذي لم يعرف الإنسان قديمًا سببه فكان يترقبه، إضافة إلى التباهي بجرأة الأبطال، ولا خلاص للجماعة إلا بجسارة الأبطال.
تطبعها بالطابع القصصي
إن القصة هي محور الشعر الملحمي، فلا بد أن تدور أحداثه حول حقبة معينة، مع سرد القصص الواقعة فيها، ومن الممكن أن تتعدد القصص في الملحمة الواحدة، و مثال ذلك ملحمة الإلياذة ، فهي منظومة شعرية طويلة جدًا، كتبت على البحر السداسي، وهو من البحور التي يُشاع استخدامها في الملاحم الشعرية المُغرقة في القدم، وبلغ عدد أبيات الإلياذة خمسة عشر ألف وخمسمائة بيت شعري، موزون، وقد تعددت القصص التي تناولتها.
تنوع الموضوعات وتشعبها
إن الأحداث والوقائع الحقيقية، تمتزج بالأساطير الحقيقية، وتتميز الأشعار الملحمية بكثرة الموضوعات وتشعبها، نظرًا لانعدام الفصل بين الحقيقة والأسطورة، مما يجعل من تهويل الأحداث والمبالغة فيها أساسًا للشعر الملحمي، ويبرز هذا الأمر في الملاحم الشعرية الدينية، التي تشير إلى الطقوس المتبعة في تعظيم الآلهة.
هذا بالإضافة إلى التوظيف الفلسفي في تفسير الأحداث، ومن أهم الأمثلة على الملاحم الشعرية، التي تتميز بتشعب الموضوعات ملحمة جلجامش، لكنها ملحمة شعرية، غير موزونة، تميزت بتعبيرها عن الطابع الأولي للوعي الإنساني.
سيادة الموضوعية واللاشخصية
تعد الموضوعية الركيزة الأساسية للملاحم، ويقصد بالموضوعية هنا إقصاء ذات الكاتب، إذ إن هوميروس لم يقحم ذاتيته، في الإلياذة، إنما ترك الحديث للشخصيات، التي تحكي الوقائع، من خلال أفعالها الحرة وتصرفاتها.
لكن هناك بعض الملاحم التي تعد استثناءً؛ إذ إنها أدخلت ذات الكاتب، وأضفت من شخصيته على الأحداث، إلا أن هذا الأمر نادر الحدوث، ومن أهم القصائد الملحمية، التي تميزت بالطابع الموضوعي: قصيدة الإلياذة لهوميروس، التي يقول فيها:
أفلّون هاتيك العزائم مانحُ
- وهكطور للإبلاءِ والحرب جانحُ
كمهرٍ عتيٍّ فاض مطعمهُ على
- مرابطهِ يبتتُّها وهو جامحُ
ويضرب في قلب المفاوز طافحًا
- إلى حيث وجه الأرض بالسيل طافحُ
يروّض فيه إِثْرَ ما اعتادَ نفسهُ
- ويطربُ أن تبدو لديه الضحاضحُ
وَيشمخُ مختالًا بشائق حسنه
- يطير وأعراف النواصي سوابحُ
وتجري به من نفسها خُطَواتُه
- إلى حيث غصَّت بالحجور المسارحُ
تميزها بطول عدد كلماتها
تعد الأشعار الملحمية من أطول الأشعار، فهي تتميز بعدد كلماتها الكثير وعدد أبياتها الكبير، ومن أهم الأمثلة على الأشعار الملحمية؛ أشعار اليونان، وكذلك فإن نسبة كبيرة من الشعر الملحمي الإغريقي لم تصلنا؛ لأنها فقدت وما وصل لنا يُقدّر بالعشر من أصل الأدب الملحمي الإغريقي كله.
ويرجع السبب وراء ذلك؛ إلى أن الأدب الإغريقي كان أدبًا شفاهيًا ومسموعًا ولم يتم تدوينه إلا بعد مدة طويلة؛ فقد كتبه الأدباء ودوّنوه في أواخر العصر الإغريقي.
فخامة الأسلوب
إن الملاحم الشعرية القديمة نُظمت بلغة رصينة ورفيعة، وتميزت بأسلوبها السامي، الذي لا يشوبه الضعف، ومن أهم الأمثلة على الملاحم الشعرية القديمة، التي تميّزت بفخامة الأسلوب ملحمة جلجامش.
فهي عبارة عن مجموعة ضخمة من الأسفار المتواصلة، التي تبحث عن أغلى شيء في الوجود؛ فالطابع الجمالي في الملحمة، يبرز مدى الجهد المبذول فيها، إلى جانب موضوعها، الذي ساهم في زيادة فخامتها؛ فهي تدور حول بحث الإنسان عن الحقيقة، وتتميز بطول عدد كلماتها، وساهم أسلوب كتابتها الفخم؛ في زيادة اهتمام الباحثين بها، فهي لا تزال حتى اليوم موضع اهتمامهم..