خزانتي المدهشة
ذكريات خزانة مكتبي
اليوم وعند جلوسي أمام خزانة مكتبي، حيث أردتُ ترتيبها، وقعت أوراق من يدي، فرفعتها من الأرض وبدأتُ أقرأُ فيها، فوجدت فيها ذكرياتٍ جميلةً، جمعتني بأناس أحببتهم، ذكّرتني بذاك الزمن الجميل الذي قضيته معهم، جال في ذاكرتي ما كُنا نفعله عند المحن وصواعق الدراسة، هذه الأوراق كانت من صديقة أعتبرها أختي وأغلى من أختي.
ذكرتني هذه الأوراق بصفاء قلوبنا وحبنا الكبير لبعضنا، هذه الأوراق المتساقطة هي التي كنا ندرس بها، والتي تحوي ما كنا ندرسه في السابق، لها تأثيرها على نفسي؛ إذ أعتبرها من التاريخ، فقد تذكرتُ أحلى الأوقات، وتذكرتُ فيها مشاكساتنا ومقالبنا الطريفة التي كنا نفعلها سويًا، كم أنا مشتاقة لهذه الأيام، وكم أصبحت الأيام كئيبةً دون الحنين إلى الذكريات الجميلة التي تغسل القلوب من الأحقاد والكراهية.
أوراق خزانتي أعادتني إلى الماضي الجميل
أوراق لا نسمعها، ولكنها تتكلم معنا وتُرشدنا إلى سابق عصرنا، وتُذكرنا بأنّنا لا زلنا إخوةً، وتُوقظ ضمائرنا على عهد أخذناه معًا عندما التقينا، فعند رؤيتي لهذه الأوراق خفق قلبي وتلعثم لساني، وما عُدت أُفكر بشيء إلّا بأيام صداقتنا المترابطة، فأصبح قلبي يخفق كلما رأى أوراقًا تطايرت على الأرض.
في هذه اللحظة قررت أن أقرأ كل الأوراق الموجودة في خزانتي، وقرأت فيها جملًا تدل على مواقف جميلةً، ولحظات رائعةً جرت بيننا، ومن الرائع أن تكون بيننا صداقة، لكن من الأروع أن تتكون بيننا أُخوة.
هذه الأوراق جعلتني أتعلق بالماضي أكثر وأحنُّ إليه، وجعلتني أحفر أصدقائي داخل عيني؛ لأنّني بالأصل حفرتهم بقلبي، وحياتي أشرقت بوجودهم بجانبي، ولحظات السعادة التي قضيتها معهم لا تُعوض بأنفس الأشياء.
خزانة مكتبي ذكرتني بأصدقائي
عند الغضب تُمسح الأيام الجميلة، ويقل التواصل والحب الذي كان يجمعنا ينتهي، وعند اللقاء تصفو القلوب، وتعود السعادة تغمر لحظاتنا وسنوات الصداقة الغالية، ويتمكن الحب من اختراق الأفئدة، أُحبهم ولا أُريد أن أعيش إلّا لأجل إسعادهم وأُسعد معهم، فعند هبوب رياح شريرة علينا نمسك بأيادينا، ونشد الهِمَم في التصدي لهذه الرياح المدمرة.
نضحك ونبكي من شدة الفرح على اجتياز هذه الريح العاتية، وعند الخصام تألمنا وعند اللقاء تألفنا ومن بياض قلوبنا تصافينا، واختلف طعم الحياة بوجودنا معًا، وكل هذه الأحداث تذكرتها من عدد من الورقات التي كنت أحتفظ بها، وكنت لا أعرف لماذا أخبئها؟ هُنا استوقفتني المواقف وجلست أضحك وأبكي على ذاك الزمن الجميل الذي جمعنا سويًا.
خزانة مكتبي جعلتني أشعر بالسعادة
لم أتوقع أنّ كل هذه الذكريات ستخرج من مجرد وريقات قليلة، وليس لها صلة مباشرة في المواقف أو الأحداث التي حدثت، لكني كنت أربطها بالسابق بمواقف حتى لا أنسى الذكريات الجميلة، وها أنا أستعيدها من جديد حيث جلست بين أوراقي المتناثرة، وكنت بين السعادة والاستغراب، حتى تعابير الوجوه أحتفظ بها في ذاكرتي ورنين الأصوات كلها كأنها مسجلة في مذياع، وأعيد تكرار سماعها من جديد.
تعلقت بأناس يتميزون بالأخلاق الرفيعة لدرجة أصبحت أخشى فراقهم، ولا أستطيع مفارقتهم وإن فارقتهم لدقائق صغيرة أشعر بالتوتر والقلق، أخيرًا أُحبهم بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني جميلة ومشاعر نبيلة، لا يهمني إن كانوا يحملون نفس مشاعري أم لا، المهم عندي وجودهم قربي والسعادة بوجودي معهم، أرجوكم لا تتركوني لقسوة الزمان، لا ترحلوا عني وتجعلوني أتخبط في الدنيا كالغريبة.