حياة الإمام الشافعي
نسب الإمام الشافعي ومولده
الإمام الشافعي؛ هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد الله بن يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي الطلبي، و كُنيته أبو عبدالله وعلى يديه ظهر المذهب الشافعي، ولد الإمام الشافعي في غزة سنة مئة وخمسون للهجرة وكان أكثر سُكان المنطقة من أهل اليمن.
وامتاز برفعة نسبه وقُربه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؛ لأن أحد أجداد الإمام الشافعي لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- في فترة الصبا، والجد الآخر للإمام الشافعي كان صاحب راية بني هاشم في غزوة بدر، ويلتقي الإمام الشافعي مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالنسب في عبد مناف وبذلك يكون نسب الإمام الشافعي الجليل هاشميّ أصيل من جهتي الأب والأُم.
نشأة الإمام الشافعي
نشأ الإمام الشافعي في أسرة فقيرة، إثر موت أبيه في صغره، فانتقلت أمه به من غزة إلى مكة حفاظًا على نسيه الشريف، وليربى بين أهله وقومه.
وأرادت أمه له أن يكون قويم اللسان فآثرت إرساله إلى البادية ليتعلم اللغة العربية والفصاحة، فلازم قبيلة هذيل في حلهم وارتحالهم، حتى حفظ أشعارهم، وحسنت لغته حتى أصبح حُجة في اللغة. ونصحه بعضهم لنسبه الشريف وجودة قرحته أن يتعلم الفقه، فعمل بهذه النصيحة.
لما عاد الإمام الشافعي من البادية عكف على تعلم الفقه وأذن له بالإفتاء وهو دون سن العشرين، وحفظ موطأ الإمام مالك وانتقل إلى المدينة وعرضه عليه، ولازمه إلى أن توفي، وقد قال مالك في الشافعي: (يا محمدٌ اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن من الشأن، إن الله قد ألقى على قلبك نورًا، فلا تطفئه بالمعصية).
رحلات الإمام الشافعي
بعد وفاة الإمام مالك خرج الشافعي مع أحد الولاة ليعمل واليًا في نجران، وكان عادلًا لا يحابي أحدا، ولما كان بنجران كان فيها والٍ ظالم وكان الشافعي ينهاه عن ظلمه، فما كان من هذا الوالي إلا أن يشي بالشافعي ليقتل فأرسل للخليفة أن الشافعي يجهز لثورة مع العلوية عليه.
فلما وصل الشافعي للخليفة (هارون الرشيد) في بغداد كان في مجلسه محمد بن الحسن الشيباني، فسأله عن الشافعي، فأخبر محمد بن الحسن عن الشافعي أنه كثير العلم، وأنه ليس من شأنه ما اتّهم به، فأطلقه.
وإثر هذه الحادثة ترك الشافعي القضاء وعكف على العلم، وفي بغداد التقى بمحمد بن الحسن (وهو إمام من أئمة المذهب الحنفي)، وتعلم من مناقشته ومناظرته، فاجتمع في الشافعي علم مدرسة أهل الحديث (المالكية)، وأهل الرأي (الحنفية).
عاد الشافعي بعدها إلى مكة ومكث فيها تسع سنين يدرس الفقه ويلتقي بالعلماء ويناظرهم ويناقشهم، ومنها خرج إلى بغداد ومعه طريقة جديدة في الفقه جمعت بين مدرستي أهل الحديث وأهل الرأي مما جعل العلماء والفقهاء يجتمعون عليه ويتعلمون من علمه وبعد عامين من مكوثه في بغداد خرج إلى مصر.
وصل الشافعي مصر ونزل عند اخواله من الأزد ومكث فيها إلى أن توفي، وظهر له فيها فقهًا جديدًا يختلف عن فقهه في بغداد، وذلك نتيجة لاختلاف الأعراف بين البلدين.
حياة الإمام الشافعي العلمية
تميّز الإمام الشافعي في العديد من المجالات العلميّة، منها:
- أصول الفقه
أجمع العلماء على أنّ الإمام الشافعي هو أول من ألّف في أصول الفقه، ورسالته الأصولية هي أول رسالة أُصولية تصل إلينا، فمذهب الإمام الشافعي مبنيٌ على الأخذ بالكتاب و السنة وجعل السُّنة طريقاً لشرح القرآن الكريم، وقد أخذ الإمام الشافعي بحديث الآحاد على أن يكون الراوي ثقة عدلاً، أما الحديث المُرسل فوضع له شروطاً خاصة أهمها أن يكون الراوي من كبار التابعين.
- مذهب الإمام الشافعي
قامت أصول مذهب الإمام الشافعي بالاستناد على الكتاب والسنة ثم على أقوال الصحابة يختارمنها الأقرب للكتاب والسنة، فإن لم يجد أخذ بأقوال الخلفاء الراشدين، ثم بعد ذلك يأخذ بالقياس، ولم يأخذ الإمام الشافعي العمل بالاستحسان والمصلحة العامة وعمل أهل المدينة، وكان مذهب الشافعي نقطة الوسط بين مذهبي أهل الحديث وأهل الرأي.
- فتاوى الإمام الشافعي
اختلفت فتاوى الشافعي في بغداد عن فتاواه بعد انتقاله إلى مصر، وهذا تسبب بظهور المذهب القديم والجديد ويعود سبب هذا الاختلاف لاختلاف أحوال أهل مصرعن أهل العراق فأخذ الإمام الشافعي بعين الاعتبار اختلاف المكان والزمان وأيضاً سبب نضوجه العلمي والفقهي؛ فعمل على إملاء وتدريس كتابه الجديدة لتلاميذه لتحمل اسم المذهب الشافعي الجديد.
شيوخ الإمام الشافعي
تلقّى الإمام الشافعي العلم من شيوخٍ عدة، وأهمهم ما يأتي:
- مسلم بن خالد الزنجي المكي
من شيوخ الإمام الشافعي ورد له عدد من النصوص بطرق مختلفةٍ أوردها الفاكهي في كتابه.
- إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي
كان من شيوخ الإمام الشافعي في صغره من أهل المدينة، وهو أحد علماء الحديث له كتاب الموطأ ولكن طعن به أهل الحديث.
- إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري
كان من شيوخ الإمام الشافعي وهو من كبار العلماء الذين يُقتدى بهم، وله كتاب السير في الأخبار والأحداث.
تلاميذ الإمام الشافعي
كما حمل علم الشافعي واهتمّ به عدد من تلاميذه، ومنهم ما يأتي:
- أبو بكر الحميدي المكي
يُعد من تلاميذ الإمام الشافعي في مكة، وكان صاحبه تتلمذ على يد بعض شيوخ الإمام الشافعي وعُرف بمُفتي أهل مكة وروى عنه البخاري.
- أبو إسحاق إبراهيم بن محمد المطلبي
كان أحد تلاميذ وابن عم الإمام الشافعي في مكة، وحمل على عاتقه نشر المذهب الشافعي وروى عنه ابن ماجه.
- أبو الوليد موسى بن أبي الجارود المكي
روى عن الإمام الشافعي الكثير من الأحاديث في مكة، وكان مُفتياً فيها وروى عنه الإمام الترمذي.
مؤلفات الإمام الشافعي
الإمام الشافعي -رحمه الله- صاحب المذهب الشافعي تعددت مؤلفاته نذكرها فيما يأتي:
- أشهر كتاب للإمام الشافعي هو كتاب الأم
يُعد جوهر المذهب الشافعي، ويتألف الكتاب من ثمانية أجزاء، يشتمل الكتاب على جملة من العلوم الشرعية الأصيلة من الفقه، والحديث النبوي، والأصول الدينية، والحقوق العامة، والقانون، والاستنباط، والاجتهاد.
- الرسالة
هو كتاب في علم الأصول يتحدث فيه عن أصول الفقه وبيان القرآن بالسنة والاحتجاج والناسخ والمنسوخ.
صفات الإمام الشافعي ومناقبه
اتصف الإمام الشافعي بمجموعة من الصفات، وسنذكر بعضها فيما يأتي:
- كان ورعاً متعبداً متواضعاً فقد ورد عنه أنه كان يختم القرآن الكريم في صلواته في شهر رمضان ستين مرة.
- كان فصيحاً عالماً باللغة فقد ورد عنه أنه كان أنطق الناس وأعلمهم باللغة و فصاحة اللسان وعلم البيان.
- كان فقيهاً عالماً بأحوال الدنيا والدين.
- كان صاحب مروءة وفطنة فكان يترفع عن كل ما كان يوقع الناس في حرج وكل ما يُذهب فطنة الإنسان من الإسراف في الطعام.
- كان جواداً عادلاً سخياً مع أنه قد نشأ في عائلة فقيرة ولكن عطائه كان كالنبع الذي لا ينضب.
حكم الإمام الشافعي ومواعظه
امتاز الإمام الشافعي -رحمه الله- برجاحة عقله وفصاحة لسانه؛ وذلك بسبب جذوره الراسخة في عالم العلم من نسبه الرفيع، فقد صدر عن الإمام الشافعي الكثير من الحكم والمواعظ التي تؤكّد أهميّة العلوم الشرعية واللغة وكونها أبواباً لبلوغ الدرجات العُلى في الخُلق الحسن والمروءة.
وإن رقة الفؤاد لا تكون إلا بتعلّم اللغة، وقوة الحُجة لا تكون إلا بتعلّم الفقه وعلومه، وقيمة الإنسان لا ترقى إلا بتمسّك الإنسان بالقرآن والسنة والفقه واللغة العربية ونحوها.
مرض الإمام الشافعي ووفاته
عانى الإمام الشافعي -رحمه الله- من مرض البواسير، وقد بلغ فيه درجة متقدمة من الألم والعناء بسبب النّزيف الذي كان يملأ ثوبه، وكان يطلب من تلاميذه الدعاء المستمر له بتخفيف الكرب عنه لشدّة تألّمه، وتوفيّ الإمام الشافعي -رحمه الله- في مصر ليلة يوم الجمعة سنة مئتان وأربعة للهجرة، وكان عُمره أربعٌ وخمسون عاماً.