حكم من أبكى يتيمًا
حكم من أبكى يتيماً
اعتنى الإسلام باليتيم وخصّصَّ له أحكاماً؛ مثل كفالة اليتيم والتحذير من أكل ماله ومن قهره وإهانته، ولكن انتشر على ألسنة بعض الناس أخبار موضوعة ومكذوبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تحذِّر من إبكاء اليتيم، ومن هذه الأخبار ما يأتي:
- (إنّ اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن، فيقول الله سبحانه لملائكته: يا ملائكتي! من أبكى هذا اليتيم الذي غيّب أباه في التراب؟ فيقول الملائكة: ربنا أنت أعلم، فيقول الله: يا ملائكتي! فإني أشهدكم أنّ لمن أسكته وأرضاه أن أرضيه يوم القيامة» فكان عمر إذا رأى يتيما مسح رأسه، وأعطاه شيئاً).
- (إِذَا بَكَى الْيَتِيمُ وَقَعَتْ دُمُوعُهُ فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ تَعَالَى، فَيَقُولُ: مَنْ أَبْكَى هَذَا الْيَتِيمَ الَّذِي وَارَيْتُ وَالِدَيْهِ تَحْتَ الثَّرَى؟ مَنْ أَسْكَتَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ).
أكد الإسلام على ضرورة العطف على اليتيم وخفض الجانب والرحمة به، وحذَّر من قهره وإحزانه، كما في قوله -تعالى-: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)، وفي قوله: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ)، ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية: " أي هو الذي يقهر اليتيم ويظلمه حقه ولا يطعمه ولا يحسن إليه" .
والمسلم يحرص على العطف على اليتيم وإكرامه والإحسان له والابتعاد عن قهره لأنَّ القهر من قسوة القلب وفيه أذى للنفس، ويُحاسب المرء على أذيته لأخيه المسلم في الدنيا والآخرة فكيف إن كان يتيماً وقد اختصه الله -تعالى- بالإحسان، فعلى المسلم التحلّي والتأسي بأخلاق الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- واتباع نهجه في كيفية التعامل مع الأيتام .
تعريف اليتيم
اليتيم لغةً: الانفراد، وَالْجَمْعُ أَيْتَامٌ ويَتَامَى ويتمه، واليتيمُ في الناس مِن قِبَلِ الآباء، ولا يُقال لمن ماتت أمه من الناس يتيم، بل هي عند البهائم،واليتيم في اصطلاح الفقهاء: هو من مات أبوه وهو دون سنِّ البلوغ ، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يُتم بعد احتلام).
اليتيم في القرآن الكريم
ذكر الله -تعالى- آيات كثيرة في القرآن الكريم تتضمن اليتيم وأحكامه، ويوصي بها بمال اليتيم وبتولي شؤونه من هذه الآيات ما يأتي:
- قال -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ)، يوصي اللهُ -سبحانه وتعالى- في هذه الآية بني إسرائيل بالعهد المؤكَّد الذي أخَذه عليهم، وهو أن يعبدوه وحْدَه وأن يُحسنوا إلى الوالدين وأقاربهم وإلى اليتامى، ومعنى الإحسان في الآية هو: القيام بما يحتاجون إليه بقدر الطاقة.
- قال الله -تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ)، جاء في سبب نزول هذه الآية أنّه لَمّا نزلت سورة النساء اجتنب الناسُ طعام الأيتام، فلم يُخالِطُوهم أو يأكلوهم أو يشاربوهم فشقَّ ذلك عليهم؛ فجاءوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، واشتكوا إليه عزلة الناس عنهم، فأنزل الله -سبحانه وتعالى- هذه الآية فخالطهم الناس.
- قال -تعالى-: (وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا).
اليتيم في السنة النبوية
زخرت السنة النبوية الصحيحة في الحثِّ على العناية بالأيتام ورعايتهم وبيان أجر كفالتهم ؛ حيث عدَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك من أسباب مرافقة النبي -عليه السلام- في الجنة، ومن ذلك: قوله -عليه الصلاة والسلام-: (وَأنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا).
بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث أنَّ القائم على أمور اليتيم من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك سواءً من ماله أو من مال اليتيم نفسه -بولاية شرعية- يكون رفيقه في الجنة وملازماً له كما تتلازم السبابة والوسطى.