حكم مسح الوجه بعد الدعاء
الدعاء
للدعاء في الإسلام مكانة عظيمة وأهمية كبيرة، فهو يُعبّر عن استعانة العبد الضعيف بالخالق العظيم المقتدر، وهو من أجلّ العبادات وأعلاها قدراً، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده به في كثير من المواضع في القرآن الكريم ، منها قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، وفي الدعاء خصائص عديدة ليست موجودةً في غيره من العبادات، منها أنّ الإنسان إن صلّى أو تصدق أو قام بأيّة عبادة غير الدعاء فقد ينصرف قلبه عن أدائها في بعض الأحيان، فيؤديها دون حضور الذهن والقلب، أمّا الدعاء فإنّ الإنسان دائماً ما يكون حاضر القلب في أدائه لحاجته إلى الله وشعوره بالافتقار إليه، ومن خصائصه كذلك سهولة ويسر هذه العبادة وإمكانية القيام بها في أي وقت وأي مكان، كما أنّ فيه من التذلل والخضوع بين يدي الله الشيء الكثير، وهو ينفع الإنسان حيّاً كان أم ميتاً؛ فإن كان حياً دعا بنفسه وإن كان ميتاً نفعه دعاء الأحياء له.
وعد الله سبحانه وتعالى بإجابة دعاء من يدعوه، وتكفّل له بذلك فقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وليكون دعاء الإنسان قريباً من إجابة الله تعالى فلا بُدّ أن يكون على الوجه الذي يجوز له ويُرضي ربه تبارك وتعالى، ولذلك فلا يجوز للإنسان أن يشرك بالله تعالى في دعائه، فيدعو معه غيره، ولا يجوز له أن يدعو بما لا يجوز له الدعاء به كأن يسأل الله سبحانه وتعالى منزلة النبوّة، وكذلك الدعاء بالإعانة على الظلم أو الحرام، وممّا لا يجوز الدعاء به أيضاً أن يدعو الإنسان على المسلمين أو على نفسه وماله، أو يدعو الله أن يعجّل له عقوبته في الدنيا، وفي هذا ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار رجلاً مريضاً من المسلمين، فسأله إن كان قد دعا الله عز وجل بشيء ما، فأخبره عن دعائه الله بتعجيل عقابه في الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: (سبحان اللهِ! لا تُطيقُه -أو لا تستطيعُه- أفلا قلتَ: اللهمَّ، آتِنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ؟).
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الاستعجال في الدعاء، وذلك بأن يسأل العبد ربه شيئاً ثم يسأم من الدعاء، ويظنّ أن الله سبحانه وتعالى لم يستجب له لتأخر الإجابة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزالُ يُستجابُ للعبدِ ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحمٍ ما لم يَسْتَعْجِلْ. قيل: يا رسولَ اللهِ! ما الاستعجالُ؟ قال: (يقولُ: قد دعوتُ، وقد دعوتُ، فلم أرَ يستجيبُ لي، فيستحسرُ عند ذلك، ويدع الدعاءَ)، وإنّما كان النهي عن الاستعجال لما فيه من معنى التضجّر عند الإنسان، وهذا يجعله يترك عبادةً من أهم العبادات وهي عبادة الدعاء، كما أنّ فيه اتهاماً لله سبحانه وتعالى بالبخل والإنقاص على العبد، ولأنّ إجابة الله للعبد فضلٌ منه عليه، وليست الإجابة حقّاً للعبد على الله عز وجل.
حُكم مسح الوجه بعد الدعاء
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه كان يرفع يديه بالدعاء ثمّ لا ينزلهما حتّى يمسح بهما وجهه، روى عمر بن الخطاب: (كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا رفعَ يديهِ في الدُّعاءِ، لم يحطَّهما حتَّى يمسحَ بِهما وجهَهُ)، وورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (فإذا فرغتَ فامسَح بِهِما وجهَكَ)، وقد ضعّف كثير من العلماء هذين الحديثين، وقالوا إنّ مسح الوجه غير مشروع للمسلمين ؛ لأنّه إنما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث ضعيفة لا تقوم بها الحجّة، ولا تفيد إلا الظنّ، والشرع لا يثبت بالظنّ فقط إلا إذا كان ظنّاً غالباً كما قال الشيخ ابن عثيمين، أما الحافظ ابن حجر فقد حكم على الحديث الأول بأنه حسن لِما رأى أنّ له شاهداً في الحديث الثاني وغيره، فأجاز بذلك مسح الوجه بعد الدعاء.
آداب الدعاء وسُنَنه
وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بعض السُّنن والآداب أثناء الدعاء، منها الحرص على الطهارة عند الدعاء، ومنها استقبال القِبلة ، ورفع اليدين، وافتتاح الدعاء بالثناء على الله جلّ جلاله والصلاة على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ومنها استخدام أسماء الله الحسنى في الدعاء، فينتقي الإنسان منها ما يناسب دعواه؛ إن كان داعياً بالرزق فليسأل الله باسمه الرزّاق، وإن كان داعياً بالشفاء فليسأل الله باسمه الشافي وهكذا، ويُسَنّ أيضاً في الدعاء الإلحاح على الله وتكرار الدعاء، والسُّنة أن يدعو بالأمر ثلاث مرّات، ومن السُّنن أيضاً إخفاء الدعاء، بأن يجتهد الإنسان بالدعاء لله سبحانه وتعالى خِفيةً دون أن يراه أو يسمعه أحد، فذلك أدعى للإخلاص وأرجى في تحصيله، وقد امتدح الله سبحانه وتعالى عبده ورسوله زكريا عليه السلام، فقال: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا).
من سنن الدعاء أيضاً تحرّي الأوقات والأماكن التي تكون الإجابة فيها أرجى من غيرها، مثل: وقت السّحر، وليالي رمضان المبارك، والمسجد الحرام، والصفا والمروة، ومنها أيضاً الدعاء لله عز وجل والالتجاء إليه في وقت الرخاء لا في وقت الشدّة فقط، فهذا حال الصالحين، أمّا غيرهم فلا يذكرون الله تعالى إلا عند الشدّة، قال الله تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ).