حكم عمليات التجميل
الجمال في خلق الإنسان
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في أحسن تقويم كما أخبر القرآن الكريم حين قال: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، وهذا الإحسان في خلق الإنسان ظاهر جليّ لمن نظر إليه نظرة سريعة فضلاً عن النظرة الفاحصة، فالإنسان له قوامٌ فريد، وأعضاء متناسقة تمام التناسق، لكل منها مرونته في الحركة، وتكيّفه مع ما سواه من الأعضاء الأخرى، وفيه تناغم وتناسق بين العقل والجسد والروح في العمل، ولكل عضوٍ فيه عمله الخاص ووظيفته المتفرّدة.
وأولى مراحل تحقيق الجمال في الخلق هو الخلوّ من العيب والنقص، فهذا أدنى درجات الجمال، وقد عبّر الله عز وجل عن هذا المعني بالتسوية، فقال: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ*الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ)، فأول ما خلق الله الإنسان سوّاه، فجعله سوياً مستقيماً خالياً من العيوب، معتدل القامة، منتصب الرأس، على أفضل خِلقة ممكنة، ثم أخذ القرآن في التعبير عن جمال خلق الإنسان بتفصيل أكثر، فقال سبحانه وتعالى: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)، قال كثير من المفسّرين في معنى كلمة الصّورة الواردة في الآية الكريمة بأنها الشكل، فالمقصود بالآية الجمال الحسّي الذي تدركه عين الإنسان، ولم يستخدم الله سبحانه وتعالى فعل التصوير في الحديث عن شيء سوا الإنسان، وذلك ليمُنّ عليه بهذه النعمة العظيمة التي خصّه بها والمهمة جداً له في حياته وفي تعامله مع ما يحيط به.
وأشار القرآن الكريم إلى جمال خلق الإنسان في موضع آخر هو قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، واختلف العلماء في مفهوم التقويم الوارد في الآية الكريمة، فذهب القرطبي إلى أنّه اعتدال الإنسان وشكله الظاهر، وذهب سيد قطب وغيره إلى أن المقصود به الجانب المعنوي في الإنسان كالفطرة، وذهب جمع آخرون إلى الجمع بين القولين السابقين، فجعلوا التقويم المقصود هو تقويم الباطن والظاهر من الإنسان معاً.
حُكم عمليات التجميل
يقصد الأطباء المختصّون بالعمليات التجميلية الجراحة التي تهدف إلى التحسين من مظهر أحد أجزاء جسم الإنسان الظاهرة، وهي إما أن تكون ضرورية أو أن تكون اختيارية، وقسّمها الفقهاء من حيث حكمها إلى نوعين؛ الأول منهما ما كان جراحة تجميلية ضرورية؛ وهي التي تتم من أجل التخلّص من عيب نتج عن حادث ما كالحروق مثلاُ، أو عيوب خَلقية كأن يولد الإنسان بأصبع زائد فيبتره له الأطباء، وهذه العيوب عادة ما تسبب الضرر للإنسان بشكل واضح، فأجاز العلماء إجرائها لإزالة ذلك الضرر، وقالوا أن موجب الرّخصة في إجازة إجراء العمليات التجميلية في هذه الحالة هو الحاجة الناتجة عن الضرر الذي يصيب الإنسان من تلك العيوب، والحاجة تنزل منزلة الضرورة الرافعة للحظر عن المحظور، واستدلوا لذلك أيضاً بما رُوي عن عرفجة بن أسعد: (أنه أُصيب أنفُه يومَ الكُلابِ في الجاهلية، فاتخذ أنفًا من ورِقٍ، فأنتنَ عليه، فأمره النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أن يتخذ أنفًا من ذهبٍ).
أما النوع الثاني من أنواع عمليات التجميل من حيث حكمها فهو عمليات التجميل التحسينية؛ وهي العمليات الجراحية التي تهدف إلى تحسين منظر جزء من الإنسان بحسب اعتقاده، مثل تصغير الأنف أو تكبير الثديين أو ما إلى ذلك، وهذا النوع ليس فيه شيء من الضرورة أو الحاجة للإنسان، بل هي محض تغيير لخلق الله سبحانه وتعالى، ولعب به على حسب أهواء الناس، وبالتالي فهي محرّمة غير جائزة، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أن حقيقة الدافع غلى تغيير خلق الله عند الإنسان هو الشيطان ، قال تعالى: (إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَاناً مَرِيداً*لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً*وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)، كما استدلّ ابن القيم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (لعن اللهُ الواشماتِ والمستوشماتِ ، والنامصاتِ والمتنمصاتِ ، والمتفلجاتِ للحسنِ المغيِّراتِ خلقَ اللهِ)، للدلالة على أنّ حرمة التغيير في الخلق إنما تكون فيمن قام بها من أجل التجمّل والحُسن، أما إن كانت لضرورة فهي جائزة غير محرمة.
أما فيما يتعلق بالدارس لعمليات التجميل والمتخصص فيها فأجاز العلماء له ذلك على أن لا يستخدمها فيما لا يرضي الله عز وجل، بل يجدر به أن ينصح من يطلب منه إجراء عملية من العمليات المحرّمة بترك ذلك لما فيه من حُرمة، فقد يكون أثر النصيحة من الطبيب نفسه أبلغ أثراً في نفس الإنسان، وحرص العلماء على التنبيه بأنّ الأطبّاء المتخصصين في هذا النوع من العمليات الجراحية لا يستطيعون التمييز والتفريق بين العمليات التي تصل إلى حدّ الحاجة والضرورة وبين التي لا تصل إلى ذلك، فهم إنما يقومون بما يرضي الزبون ويحقق لهم الربح.
الحِكمة من تحريم عمليات التجميل التحسينية
درس العلماء الحِكمة من تحريم العمليات التجميلية الهادفة إلى التحسين وأوردوا عدداً منها، منها ما يأتي:
- عمليات التجميل التحسينية تنطوي على كثير من الخداع والتدليس والغش ، فالإنسان يظهر بها على غير شكله الحقيقي بل يبدو أصغر سنّاً.
- تدل عمليات التجميل التحسينية على التسخّط من خلق الله سبحانه للإنسان، والتعالي على حكمته، والادّعاء أن الإنسان يمكنه أن يحسّن فيما يخلق الله عز وجل.
- تتيح عمليات التجميل التحسينية للنساء فرصة تقليد الكفّار، والانغماس في تحقيق الشهوات والغرائز، واتّباع الموضة، وتضييع الأوقات وإهدار الأموال في غير مكانها الصحيح.