حكم سب الصحابة
حكم سبِّ الصحابة
إنّ للصحابة -رضي الله عنهم- منزلةً عظيمةً في الإسلام؛ فقد لقوا النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وعاصروه، وحملوا الإسلام بعده وتوفّوا على الإيمان بالله ورسوله، وقد حرّم الإسلام الإساءة لهم أو شتمهم، وتعدّدت أقوال العلماء في تكفير من سبَّهم؛ لعظم قبح ذلك شرعًا، وفيما يأتي تفصيل أقوالهم في حكم من سبّ الصحابة -رضي الله عنهم-.
أقوال العلماء في من سبّ الصحابة
فرّق العلماء في مسألة سب الصحابة أو أحدهم بين من يطعن في عدالتهم، وبين من يسبَّهم دون الطعن في عدالتهم، وبين من يسبّهم متعمّدًا الإساءة لهم ومعتقدًا جواز فعله، ومن سبّهم انتقاصًا أو توهُّمًا منه أنّهم فعلوا أمرًا يستدعي ذلك، وفي ما أتي تفصيل الأحوال وحكمها.
من سبّ الصحابة معتقدًا ومستحلًّا لذلك
اتَّفق الفقهاء على أنَّ من رأى أنَّ سب الصحابة جائز شرعًا؛ فإنّه يكفر لاعتقاده بذلك؛ لأنّه بذلك يكون منكرًا لأمرٍ معلومٌ من الدين بالضرورة؛ وهو وجوب تقدير الصحابة وعظم منزلتهم، وأنّهم خير الناس، وهو حكمٌ عامٌّ في من سب الصحابة جميعًا أو سبَّ أكثرهم، أو حتى صحابيًا واحدًا معتقدًا لإباحة سبّهم.
يقول السبكي -رحمه الله- في الفتاوى: "إنّ سب الجميع بلا شك أنّه كفر، وهكذا إذا سب واحدًا من الصحابة حيث هو صحابي؛ لأنّ ذلك استخفاف بحق الصحبة، ففيه تعرضٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم"، وقال: "فلا شك في كفر الساب، ولا شك أنّه لو أبغض واحدًا منهما -أي الشيخين أبي بكرٍ وعمر- لأجل صحبته فهو كفر، بل من دونهما في الصحبة إذا أبغضه لصحبته كان كافرًا قطعًا".
كما أجمع العلماء على أنَّ من رمى أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها- بما برّأها الله منه في حادثة الإفك؛ فإنّه يكون كافرًا أيضًا؛ لتكذيبه لصريح كتاب الله وما جاء في تبرأتها، فيكون بذلك مخالفًا لما ثبت في القرآن الكريم.
من سبّ الصحابة غير مستحلٍّ لذلك
إذا لم يبلغ سبُّ الصحابة درجة الاعتقاد باستحلال ذلك وجوازه، أو تكذيب صريح القرآن -كما في أمر السيدة عائشة وغيرها من الصحابة-؛ فإنّ حكم مَن سبَّ الصحابة لا يصل إلى الكفر؛ حيث عدّ العلماء من سبَّ الصحابة أو واحدًا منهم من غير استحلالٍ لذلك فاسقًا، لا يكفر، لكنّه آثمٌ إثمًا عظيمًا، ويلزمه التوبة والاستغفار، والكفّ عن ذلك.
ما يترتب على من سبَّ الصحابة
إذا صدر من أحدٍ شتمٌ صريحٌ أو إساءةٌ لأحد الصحابة أو معظمهم أو جميعهم، وكان من سبَّهم معتقدًا جواز ذلك؛ فإنّ عليه التوبة دون أدنى شك، فإن تاب وانتهى عن سبَّهم؛ فإنّ الله توابٌ رحيم، وإن لم يتب رغم تذكيره بحرمة وعقوبة سبِّهم؛ فيُعتبر كافراً مرتداً عن الإسلام، وعليه ما على المرتد من العقاب.
أما من شتم صحابيًا أو أساء له قولًا أو فعلاً بما لا يقدح في عدالته ولا في دينه؛ كأن وصفه بما ليس فيه كالبُخل والجُبن، فلا يُعتبر كافرًا -كما أُشير سابقًا-؛ إلّا أنّه يكون قد ارتكب معصيةً تستوجب التوبة، فإن لم يتُب فإنّه يُعاقب، ويجب في حقّه التعزير والتأديب.
منزلة الصحابة
منذ فجر التاريخ وحتى هذا الوقت كان لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- دورٌ بارزٌ في نصرة الإسلام ونشره، فقد كانوا نِعمَ الجنود ونِعمَ القادة، وكانوا في وقت الدعوة نعم الرجال والدعاة؛ بلّغوا عن ربهم ما استأمنهم عليه حقَّ التبليغ، ونصروا نبيهم وناصروه في أوقات الضعف والقوة؛ فكانوا أفضل الناس، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (لا تَسُبُّوا أصْحابِي؛ فلوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ).
وبالصحابة قويت شوكة الإسلام، وبسبب حسن أخلاقهم وطيب معدنهم دخل كثيرون في الإسلام؛ فقد كان لوجودهم أسمى أثرٍ في نُصرته، وكان لبطولتهم في المعارك والغزوات دورٌ بالغ الأهمية في تحصيل النصر والظفر على الأعداء، وكسر شوكة من أراد بالإسلام وأهله الشرَّ؛ ولأجل ذلك هم أفضل الخلق بعد الرسل والأنبياء بلا أدنى شك.