حكم زيارة النساء للقبور
تعدد الآراء في حكم زيارة النساء للقبور
تعددت آراء الفقهاء في حكم زيارة النساء للقبور، فمنهم من أجازها، ومنهم من كرهها، ومنهم من حرمها، وفيما يأتي بيان ذلك.
جواز زيارة النساء للقبور
يجوز للمرأة زيارة القبور، إذا لم يصاحبها بدعة أو أمر محرم؛ لما فيها من العظة والذكرى من ذكر الموت والآخرة والدعاء للموتى والترحم عليهم، وهذا قول بعض الشافعية وجمهور الحنفية.
واستدل أصحاب هذا الرأي بعدة آراء من السنة النبوية وأفعال الصحابة رضوان الله عليهم، ومنها ما يأتي:
- حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، عندما مر على إمرأة عند القبر تَبْكِي على ابنها، (فَقالَ: اتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي قالَتْ: إلَيْكَ عَنِّي، فإنَّكَ لَمْ تُصَبْ بمُصِيبَتِي، ولَمْ تَعْرِفْهُ، فقِيلَ لَهَا: إنَّه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأتَتْ بَابَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقالَ: إنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى)، ويستدل من الحديث إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- على فعلها لزيارة القبر، وعدم إنكاره عليها.
- قول أم المؤمنين عائشة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ماذا أقول إذا أتيت المقبرة يا رسول الله؟ قال: قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإن إن شاء الله بكم لاحقون)، ويستدل من الحديث أن إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- أن تدخل المقابر وتدعو الدعاء، دليل على جواز زيارة النساء للقبور.
- رواية أبي هُريرة -رضي الله عنه-، قال: (زار النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قبرَ أمِّه فبَكى وأبكى مَن حَوْلَه، فقال: استأذَنْتُ ربِّي في أن أستَغْفِرَ لها، فَلَمْ يُؤْذَنْ لي، واستأذَنْتُه في أن أزورَ قَبرَها فأَذِنَ لي؛ فزُوروا القبورَ؛ فإنِّها تُذَكِّرُ الموتَ)، ويستدل من الحديث أن تعليل الأمر بزيارة القبور لتذكر الآخرة، يشترك فيه الرجال والنساء.
- زيارة عائشة -رضي الله عنها- لقبر أخيها، وأن فاطمة كانت تزور قبر حمزة كل جمعة، وهذه الأحداث تعد من أفعال الصحابة التي يقتدى بها.
كراهية زيارة النساء للقبور
يكره للمرأة أن تزور القبور، ولكن إن زارت لا تأثم بفعلها، وهو قول لعامة الشافعية والحنابلة.
واستدل أصحاب هذا الرأي بعدة أدلة من النسة النبوية، ومنها ما ورد عن أم عطية -رضي الله عنها-، أنها قالت: (نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، ولَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا)، وأن قولها لم يعزم علينا؛ دل النهي على الصرف من التحريم إلى الكراهة.
حرمة زيارة النساء للقبور
يحرم على المرأة زيارة القبور؛ وإن فعلت ذلك فهي آثمة، وهذا قول لابن تيمية وابن القيم.
واستدل أصحاب هذا الرأي بعدة أدلة من السنة النبوية والمعقول، ومنها ما يأتي:
- روى عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- : (لعنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ زوَّاراتِ القبورِ )، أن في لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لزوارات القبور، دليل على حرمة هذا الفعل.
- ورد عن أم عطية -رضي الله عنها-، أنها قالت: (نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، ولَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا)، أن النهي هنا دل على التحريم.
- لأنّ المرأة بطبيعتها ضعيفة العقل وسريعة التأثر والعاطفة، فبزيارتها للقبور قد يحصل بها محاذير عديدة، غير أنها قد تكرر زيارة، فتبدو المقابر مملوءة بالنساء.
حكم زيارة النساء لقبر الرسول
أما حكم زيارة قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلا يدخل في حكم زياة القبور، فزيارة قبر رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- لا مانع به، كما تندب للرجال تندب أيضاً للنساء بشرط ألا يترتب على خروجهن للزيارة مفاسد؛ كالتمسح بقبره الشريف -صلى الله عليه وسلم- أو تقبيله، أو رفع الأصوات أثناء الصلاة، وهذا باتفاق الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة.
هل توجد شروط لزيارة القبور للنساء؟
يشترط لجواز زيارة القبور للنساء عدة شروط وضواط يجب الالتزام بها، منها ما يأتي:
- أن تقصد من زيارتها وجه الله -تعالى-، والاعتبار والتذكرة بالموت.
- أن تلتزم السكينة والوقار في المقبرة، من غير نواح أو ندب أو أن تجهش في البكاء وترفع صوتها عند القبور.
- ألّا تختلط بالرجال بأي حال من الأحوال.
- أن تلبس لباساً ساتراً محتشماً متواضعاً، غير متبرجة أو متزينة أو متعطرة.
- إن كانت المقبرة مهجورة أو بعيدة عن سكن الناس، يجب ألا تزورها لوحدها بل أن يكون هناك من يرافقها أحد من المحارم.
ملخص المقال: حكم زيارة القبور للنساء فيه آراء عدة؛ فمهنم من حرّمه ومنهم من أجازه، ومَنْ قال بجوازه وضع ضوابط وشروط يجب الالتزام بها أثناء الزيارة، وأنّ حكم زيارة قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يدخل في حكم زيارة القبور عامة.