حكم العقيقة
حُكم العقيقة عن المولود
تعدّدت آراء الفقهاء في حُكم العقيقة على عدّة أقوال، هي:
القول الأول (من المستحبات)
استحباب العقيقة، وهو قول الجمهور من الشافعية والمالكية، والمشهور عند الحنابلة، وبه قال أبو ثور، واستدلّوا بعدّة أدلّة من السنة، كحديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (كلّ غلامٍ رهينةٌ بعقيقتهِ، تُذبَحُ عنهُ يومُ سابعهِ، ويُحلقُ، ويُسمّى)، ووجه الدلالة من الحديث أنّ الرسول قد قرن بينها وبين الأمر بالتسمية والحلق؛ فهي لا تجب.
فتكون من باب الاستحباب، وحديث النبيّ الذي بيّن فيه أنّ العقيقة على الاختيار، فصرف الأمر من الوجوب إلى الندب؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: (من وُلِدَ لهُ ولدٌ فأحبَّ أن يَنسُكَ عنهُ فلينسُكْ)، وهناك الكثير من الأحاديث التي وردت في باب العقيقة، وحملها أصحاب هذا القول على الاستحباب.
القول الثاني (من المباحات)
ليست من باب الوجوب ولا الاستحباب، وإنّما من باب المُباحات، وهو المشهور في مذهب الحنفية، وقد استدلّ الحنفية على قولهم بمجموعة من الأحاديث، كحديث النبيّ فيما رُوي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عندما وُلِد له الحسن والحسين فقال لزوجته فاطمة -رضي الله عنها-: (أنَّ حسنَ بنَ عَلِيٍّ الأكبرَ حينَ وُلِدَ أرادتْ فاطمةُ أن تَعُقَّ عنه بِكَبْشَيْنِ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا تَعُقِّي عنه ولكنِ احلِقِي رأسَهُ ثم تَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ منَ الوَرِقِ في سبيلِ اللهِ، ثم ولدتْ حُسَيْنَ بَعْدَ ذَلِكَ فَصَنَعَتْ بِهِ مِثْلَ ذلِكَ).
ووجه الدلالة أنّ الحديث فيه نَهي عن العقيقة، وهذا النهي يُناقض الوجوب والاستحباب، فيكون من باب الإباحة، وقول النبيّ عندما سُئِل عن العقيقة: (لا يحبُّ اللَّهُ العقوق كأنَّهُ كرِهَ الاسمَ وقالَ من وُلِدَ لهُ ولدٌ فأحبَّ أن يَنسُكَ عنهُ فلينسُكْ عنِ الغلامِ شاتانِ مكافِئتانِ وعنِ الجاريةِ شاةٌ)، ووجه الدلالة منه أنّ الله لا يُحبّ العقوق؛ فيدلّ على عدم استحبابها، والنبيّ علَّقَ فعل العقيقة على من أراد؛ فتكون قرينة من النبيّ بالإباحة.
حُكم العقيقة عن المولود الميّت
تعدّدت آراء الفقهاء في هذه المسألة إن كان المولود قد مات قبل اليوم السابع، أو في اليوم السابع وقبل أن يُعقّ عنه، وذلك على النحو الآتي:
إذا مات قبل اليوم السابع
يُشرَع لمن وُلِد له طفل ومات قبل اليوم السابع أن يعقّ عنه، وموته قبل ذلك لا يمنع من العقّ عنه؛ لأنّ الأدلة الشرعية الدالة على العقيقة في اليوم السابع لم يرد فيها شيء يدلّ على ما يمنع منها.
إذا مات في اليوم السابع
تعدّدت آراء الفقهاء في حُكم العقيقة عن المولود الذي يموت في اليوم السابع قبل أن يُعقّ عنه، وذلك على قولَين، هما:
- الأول: الاستحباب، وهو قول بعض المالكية، وأحد قولَي الشافعية، ونظراً لكون الحنابلة ذهبوا إلى العقيقة عمّن مات قبل اليوم السابع؛ لأنّه نزل حيّاً، فيكون للميت في اليوم السابع الحكم نفسه.
- الثاني: لا يُعقّ عنه، وهو مذهب الإمام مالك، وقول عند الشافعية، والأفضل العقّ عنه؛ لعموم الأدلة التي تدلّ على العقيقة، فلو مات شخص بعد اليوم السابع فإنّه يُستحب العقّ عنه، وكذلك من مات في اليوم السابع وهو بداية وقت العقيقة.
حُكم عقيقة الكبير عن نفسه
الأصل في العقيقة أن يؤدّيها الوالد عن ولده، فلا يُطالب بها الأولاد، ولا الأُم، فإذا لم يعقّ الوالد عن ولده، فقد تعدّدت آراء الفقهاء في جواز أن يعقّ عن نفسه عندما يكبر، والأصل أنّه يجوز ذلك، مع أنّ بعض الفقهاء ذهبوا إلى أنّ العقيقة لا تكون إلّا من الأب، ولا يُطالب بها غيره، وقد سُئِل الإمام أحمد عن ذلك، فقال: على الوالد؛ أي لا يعقّ الشخص عن نفسه، بل هي مطلوبة من والده، وهو قول الحنابلة والمالكية.
في حين يرى الشافعية أنّه يُستحَبّ لمن علم أنّ أباه لم يعقّ عنه أن يعقّ عن نفسه؛ لما فيها من كسب الأجر، وتطبيق سُنّة النبي في العقيقة، ولما فيها أيضاً من دفعٍ للمصائب، وتكفير للذنوب، ورَفع للدرجات.
مسائل مُتعلّقة بأحكام العقيقة
هناك بعض المسائل التي تتعلّق بالعقيقة وفي ما يأتي استعراضها:
حُكم العقيقة قبل الولادة
اتّفق الفقهاء على عدم جواز ذبح العقيقة قبل وجود سببها وهو الولادة، فإن ذبحها قبل الولادة تكون شاة لحم، ولا تُعتبَر عقيقة.
الفرق بين العقيقة والأضحية
تتشابه العقيقة والأضحية في أمور كثيرة، إلّا أنّهما تختلفان في عدّة نقاط، وهي: أنّه من السنّة طبخ العقيقة، وألّا يُكسَر عظمها، وأن تُهدى إلى المرأة التي تتولّى مهمّة إخراج المولود والتي تُسمّى (القابِلة) رِجلَ العقيقة غير مطبوخة؛ لفعل فاطمة -رضي الله عنها- عندما أمرها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك.
حساب يوم الولادة في الأيّام السبعة أو عدمه
تعدّدت آراء الفقهاء في حساب يوم الولادة من الأيّام السبعة، أو عدم حسابه، وذلك على قولَين، هما:
- القول الأول: لا يُحسَب اليوم الأول من الأيام السبعة إن جاء المولود في النهار بعد الفجر، وإن جاء قبل الفجر فإنّه يُحسَب، وهو قول الإمام مالك، والمُعتمد عند الشافعية.
- القول الثاني: يُحسَب يوم الولادة من ضمن الأيّام السبعة، وهو قول الحنابلة، والأحوط عندهم ألّا يُحسَب إن كانت ولادته ليلاً، ويُحسَب إن وُلِد نهاراً.
حُكم ذبح العقيقة خارج البلد
يجوز ذبح العقيقة داخل البلد التي يكون فيها الطفل أو خارجها، ويجوز توزيع لحمها داخل البلد وخارجه، والأفضل أن يكون الذبح والتوزيع داخل البلد، وقِيل إنّها تُذبَح في البلد الذي يكون فيه المُخاطب بالعقيقة؛ سواءً أكان الوالد، أو غيره.
فقد قال بعض الفقهاء لمن يرسل النقود إلى شخص آخر خارج البلد ليعقّ عن ابنه إنّه من الأفضل أن يكون الذبح باليد، فإن لم يستطع الذبح، فإنّه يحضر عملية الذبح؛ ليستشعر تقرُّبه إلى الله بهذه الذبيحة، فهي ليست مسألة نقود فحسب.
حكم تأخير العقيقة
تعدّدت أقوال الفقهاء في حكم تأخير العقيقة، فقيل يجب أن تكون في اليوم السابع، وقيل إنّها مجزئة في اليوم السابع أو الرابع عشر أو الواحد والعشرين، وقيل إنّها تصحُ في أيّ وقت، وقد نُقل عن الإمام النووي قوله: "مذهبنا أن العقيقة لا تفوت بتأخيرها عن اليوم السابع وبه قال جمهور العلماء منهم عائشة وعطاء وإسحاق".
السنة في وقت العقيقة هي أن تُذبح في اليوم السابع من ولادة الطفل، أمّا إن تمّ تأخير ذبحها إلى وقتٍ آخر فلا بأس في ذلك، وبهذا فيجوز تأخير العقيقة مع أفضلية الذبح في اليوم السابع، وهو ما أفتت به دائرة الإفتاء الأدرنية، وقالوا بجواز ذبح الوالد العقيقة عن ابنه في أي وقت قبل البلوغ، فإذا وصل لمرحلة البلوغ فيمكنه أن يعقّ عن نفسه إن أراد ذلك.
هل يجوز أن يعقَّ شخص عن آخر؟
إنّ العقيقة عن المولود هي سنّة مستحبة، والمخاطب بها قبل البلوغ هو من تلزمه نفقة المولود، وتجوز من الأم أو الجد، وإذا كان الوالد لا يملك المال وأراد شخصٌ قريب له أن يتبرّع بالعقيقة أو يهديها له، فيمكنه أن يقوم بهبة ثمن العقيقة للأب الذي يقوم بذبحها عن ابنه أو يوكل أحدًا بذبحها.
وكذلك الأمر بالنسبة للعقيقة عن الكبير، فلو أرادت فتاة أن تعقّ عن نفسها وهي لا تملك المال، فيمكن لأحد إخوتها أن يهبها مالًا تشتري به العقيقة، وذلك لأنّ المقرّر في الفقه الإسلامي عدم جواز العقيقة عن الكبير، وقد قال النووي: "لا يعقّ عن البالغ غيرُه".
هل يجوز الجمع بين نية العقيقة ونية شيء آخر؟
وقد تعدّدت أقوال الفقهاء في جواز الجمع بين العقيقة والأضحية، فقال الشافعية والمالكية وفي رواية عن الإمام أحمد عدم جواز الجمع، وقال الحنفية وفي رواية ثانية عن الإمام أحمد بجواز الجمع بين العقيقة والأضحية، وبهذا قال الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وقتادة رحمهم الله، ودليلهم أنّ المقصود من ذبح كل من العقيقة والأضحية هو التقرّب لله تعالى، فدخلت إحداهما في الأخرى، وجاز ذبح ذبيحة واحدة بنيّة العقيقة والأضحية معًا.
وقد قال بعض العلماء ببعدم جواز الجمع بين نية العقيقة ونية الأضحية؛ لأنّ كل منهما عبادة مستقلة لها سبب مختلف عن الأخرى، أمّا بالنسبة للجمع بين العقيقة والرغبة في إقامة وليمة شكرًا لله -تعالى- على أمر ما؛ فقد قال بعض العلماء بجواز ذلك ولكن تكون النية هي العقيقة، ويٌوزَّع جزءًا منها وتُقام الوليمة بجزءٍ آخر.
خلاصة المقال: العقيقة هي إحدى الأعمال التي حثّ بها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عند الرزق بمولود جديد، وقد تعدّدت أقوال الفقهاء في حكمها؛ فقيل هي سنة، وقيل هي مباحة فقط، كما تعدّدت أقوالهم بالنسبة للذبح عن المولود الذي مات قبل اليوم السابع، وقالوا بجواز أن يعقّ المسلم عن نفسه عندما يكبر إذا عجز والده عن ذلك وهو صغير، وقد قال جمهور الفقهاء بجواز تأخير العقيقة، وتعدّدت الأقوال في جواز الجمع بين العقيقة والأضحية.