حكم الحزن على الميت
الموت
لا شكّ أنّ الموت مصيبة، بل هو من أعظم المصائب التي قد يصاب بها العبد لا سيما إن كانت مصيبة الموت بفقد أحد الأهل والأحبة، وممّا يخفّف ألم مَن ابتُلي بفقد عزيزٍ أو قريبٍ ما يأتي:
- أولا: العلم بأنّ الموت حق، فقد كتبه الله -تعالى- على جميع خلقه من الإنس والجن، الكبير والصغير، والذكر والأنثى، حيث قال الله -تعالى-: (وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ) .
- ثانيا: العلم بأنّ الدنيا دار ابتلاء ومصائب وشرور، فلا لذّة كاملة حقيقية فيها، حيث لا بدّ من كدر يعكّر صفو الحياة فيها، حيث قال الله -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) .
- ثالثا: استحضار الأجر الذي أعدّه الله -تعالى- لمن صبر واحتسب أجره عليه -سبحانه-، ومن ذلك ما دلّت عليه العديد من الأحاديث النبوية ومنها:
- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا ماتَ ولَدُ العبدِ قالَ اللَّهُ لملائِكتِهِ قبضتم ولدَ عبدي فيقولونَ نعم فيقولُ قبضتُم ثمرةَ فؤادِهِ فيقولونَ نعم فيقولُ ماذا قالَ عبدي فيقولونَ حمِدَكَ واسترجعَ فيقولُ اللَّهُ ابنوا لعبدي بيتًا في الجنَّةِ وسمُّوهُ بيتَ الحمْدِ).
- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما مِن مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فيَقولُ ما أمَرَهُ اللَّهُ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها، إلَّا أخْلَفَ اللَّهُ له خَيْرًا مِنْها).
حكم الحزن على الميت
لا يؤاخذ المسلم بحزنه حال أصيب بموت عزيزٍ عليه أو قريبٍ له، حيث أن الحزن من الأمور الفطرية التي جُبلت عليه النفس البشرية، وممّا دلّ على جواز الحزن على الميت حزن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على وفاة ابنه إبراهيم حيث قال: (إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ)، أمّا في حال رافق الحزن أمراً محرّماً نحو لطم الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعور فإنّه يحرم لاقترانه بفعلٍ محرمٍ، حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: (ليسَ مِنَّا مَن لَطَمَ الخُدُودَ، وشَقَّ الجُيُوبَ، ودَعَا بدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ)، وتجدر الإشارة إلى ثلاثة أمور:
- أوّلها: جواز البكاء على الميت إن لم يرافقه النياحة والندب وارتفاع الصوت فيه؛ لما ثبت عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: (شَهِدْنَا بنْتًا لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَالِسٌ علَى القَبْرِ، قالَ: فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمعانِ).
- ثانيها: الحزن والبكاء على الميت لا يُنافي الصبر على قضاء الله تعالى وقدره والرضا به.
- ثالثها: المدة التي يُسمح بها للمسلم بالحزن على الميت لا تزيد عن ثلاثة أيام.
بعض الأدعية المأثورة للميت
هناك العديد من الأدعية المأثورة التي يصح الدعاء بها للميت، ومنها ما يأتي:
- ما ثبت عن واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- قال: (صلَّى بِنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ على رجلٍ منَ المسلمينَ فسمعتُهُ يقولُ اللَّهمَّ إنَّ فلانَ بنَ فلانٍ في ذمَّتِكَ فقهِ فتنةَ القبرِ - قالَ عبدُ الرَّحمنِ في ذمَّتِكَ وحبلِ جوارِكَ فقهِ من فتنةِ القبرِ - وعذابِ النَّارِ وأنتَ أهلُ الوفاءِ والحمدِ اللَّهمَّ فاغفر لهُ وارحمهُ إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرَّحيمُ).
- ما ثبت عن عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه- قال: (صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ علَى جِنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِن دُعَائِهِ وَهو يقولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، أَوْ مِن عَذَابِ النَّارِ).