حكم التحاميل المهبلية والصيام
الحكم الشرعي للتحاميل المهبلية والصيام
التّّحميلة أو ما يُعرف في كتب الفقه بالحُقنة هي واحدة من المسائل التي أخذت حيِّزاً في الفقه الإسلامي، وقد تمّ بحثها بشكل مفصّل في مسائل متفرِّقة من مسائل الفقه؛ كنقض الصيام، ونقض الوضوء.
وكذلك الأمر بالنسبة للحُقنة المهبلية أيضاً، فقد ناقشها الفقهاء وميزوها عن الحقنة الشرجية؛ لأنَّ أحكامها مختلفة عند بعض العلماء، وفيما يتعلق بمسألة الحقنة المهبلية والصيام، فقد تعدّدت آراء العلماء وتنوَّعت أقوالهم في حكمها، مما أثرى المسألة وجعلها أكثر تنوعاً، وفيما يأتي بيان للمسألة بشيء من التفصيل:
حكم التحاميل المهبلية والصيام عند المذاهب الأربعة
اتّفقت المذاهب الفقهية الأربعة؛ من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أنّ الحُقنة -التحميلة- بكلّ أنواعها الشرجية والمهبلية من مفسدات الصيام ومبطلاته، والتي تنقض الصيام وتفسده، واتّفقوا -أيضاً- على وجوب القضاء لمن أفطر عن طريق التحميلة، ولكنّهم اختلفوا في الكفارة، هل تجب عليه الكفّارة مع القضاء، وبيان ذلك فيما يأتي:
المذهب الحنفي: يرى فقهاء المذهب الحنفي أنّ الصائم أو الصائمة، إذا استعمل التحميلة المهبلية أو الشرجية، فإنَّ صيامه فاسد؛ لأنَّ الحقنة مُفسدة للصيام، ويجب على من أخذ هذه الحقنة القضاء، ولا تجب عليه الكفّارة.
المذهب المالكي: يرى فقهاء المذهب المالكي أنَّ استعمال التحميلة بنوعيها، مُفسدة للصيام، ويجب على من استعملها صائماً القضاء، أمّا كفّارة الإفطار من الصيام، فلهم فيها قولان في المذهب، وهما كما يأتي:
- القول الأول: تجب الكفّارة مع القضاء.
- القول الثاني: يجب القضاء دون كفاّرة الصيام.
المذهب الشافعي: يرى فقهاء الشافعية أنّ تناول التحاميل بأنواعها مُفسدة للصوم، وعلى من تناولها القضاء، وأمّا الكفّارة فغير واجبة.
المذهب الحنبلي: استعمال التحاميل بنوعيها مُفسدة للصيام، موجبة للقضاء، ولا كفَّارة على من فسد صومه بسبب تناول التحاميل.
آراء علماء المسلمين في حكم التحاميل المهبلية والصيام
على الرغم من اتّفاق المذاهب الأربعة على القول بفساد الصيام لمن استعمل التحاميل بنوعيها الشرجية والمهبلية، إلّا أنَّ هناك بعض العلماء من تلاميذ المذاهب الأربعة وغيرها يَرون أنّ التحاميل المهبلية لا تفطّر الصائم، وممن ذهب إلى هذا القول الحسن بن حيّ، وهو من أتباع التابعين، وهو قول الإمام ابن حزم، وهو الراجح في المذهب الظاهري.
وقد خالف بعض العلماء مذهبهم الفقهي، كما خالف الإمام ابن عبد البرّ المذهب المالكي، قال: "وقد قيل: القضاء في الحقنة استحباب، لا إيجاب، وهو عندنا الصواب؛ لأنّ الفطر مما دخل من الفم، ووصل إلى الحلق والجوف".
كما خالف شيخ الإسلام ابن تيمية مذهبه الحنبلي، فليست التحاميل عنده من المفسدات للصوم، ولا من المفطرات، وأفتى بعدم الفطر من الحقنة الشيخ عبد العزيز ابن باز، وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: "إنّ الحقنة لا تفطّر مطلقاً، ولو كان الجسم يتغذّى بها عن طريق الأمعاء الدقيقة"، وممن ذهب إلى هذا القول من المعاصرين الشيخ سيد سابق في كتاب فقه السنة.
الرأي الراجح لحكم التحاميل المهبلية والصيام
بعد استعراض أقوال الأئمة الأعلام، من أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة وغيرهم، يمكن القول بأنَّ القول الذي ذهب إليه القائلون بعدم فساد الصوم بالتحاميل المهبلية هو القول الراجح وهو الأقرب إلى الصواب، وهو ما قال به المجمع الفقهي الإسلامي، وإن كان مخالفاً لعموم ما عليه أصحاب المذاهب الأربعة -رحمهم الله تعالى-، وذلك لما يأتي:
- أنَّ الحُقنة لا تحصل بها التغذية.
- الصيام ركن عظيم من أركان الإسلام، ولو كانت التحاميل مما يفطر الصائم؛ لاستلزم بيانه، ولورد في ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قول، أو لورد في ذلك قول عن بعض أصحابه -رضوان الله عنهم، ولكن لم يرد في ذلك عنهم شيء مطلقاً، ولو ورد في ذلك شيء لنقلوه إلينا.
- الأصل هو صحة الصيام، ولا يجوز إبطاله إلا بدليل.
- أن الأصل بالمفطرات ومفسدات الصيام أن تكون طعاماً، أو شراباً، والتحاميل المهبلية ليست بالطعام، ولا بالشراب، ولا هي بمعنى الطعام، ولا بمعنى الشراب.
قالت المذاهب الأربعة إنَّ التحاميل سواء أكانت الشرجية أو المهبلية تنقض الصيام وتُفسده، وعلى من استعملها القضاء بعدد الأيام التي أفطرها، وليس عليه كفّارة بحسب جمهور العلماء، إلا أن الراجح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه بعض المتأخرين من أنَّ التحاميل المهبلية لا تُفسد الصيام، وقد تمّ بيان أدلّتهم سابقاً، وبناء عليه ليس على من استخدمت التحاميل المهبلية وهي صائمة قضاء ولا كفّارة، وصيامها صحيح بإذن الله.