حكم اكل لحم الضبع
حكم أكل لحم الضبع
إنّ الأصل في الأشياء الإباحة ما لَم يأْتِ دليلٌ بتحريمها، والإسلام وجَّه أتباعه إلى ما فيه مصلحةٌ لهم في الدارين، الدنيا والآخرة، ففي باب المطعومات يقول الله -عز وجل-: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) ، ويتساءل بعض الناس عن حكم أكل لحوم الضباع، هل يجوز أكلها، أم أنّها تلحق بأنواع لحوم الحيوانات التي حرّمت الشريعة أكلها؟ و تعددت آراء الفقهاء في مسألة حلّ وتحريم أكل لحم الضباع، ولكل من أصحاب الرأيين أدلّته، وبيان المسألة فيما يأتي:
القائلون بجواز أكل لحم الضبع
ذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز أكل لحم الضبع، وبيان أدلّتهم فيما يأتي:
- الشافعيّة: ذهب الشافعيّة إلى أن أكل لحم الضبع جائز، مستشهداً بأن الناس كانت تبيعها في مكة بين الصفا والمروة، ولمسألة ابن أبي عمر جابر عندما سُئل: "الضَّبُعُ صَيدٌ هيَ؟ قالَ: نعَم ، قلتُ آكلُها؟ قالَ: نعَم، قلتُ: أقالَهُ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-؟ قالَ: نعَمْ".
- الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى جواز أكل لحم الضبع، مستدلين بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الضبعُ صيدٌ فَكُلْها، و فيها كبشٌ مسنٌّ إذا أصابَها المحرمُ)، فالظاهر عندهم أن الضباع نوعين، والذي أحلّوه هو ما عناه النبي -صلى الله عليه وسلم-، أي الضباع التبي تتغذى على النباتات، وهو ما كان منتشراً في الحجاز.
القائلون بحرمة أكل لحم الضبع
ذهب الحنفية والمالكية إلى حرمة وكراهة أكل لحم الضبع، وبيان أدلّتهم فيما يأتي:
- الحنفيّة: ذهب الإمام أبو حنيفة إلى تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، وتحريم أكل لحم الضبع؛ لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فعن أبي ثعلبة -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- نَهَى عن أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. وفي رواية: نَهَى عن كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ).
- المالكيّة: قال جمعٌ من علماء المذهب أن رأي الإمام مالك التحريم؛ للحديث الذي أورده في الموطأ بصريح التحريم: (كُلُّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباعِ فأكْلُهُ حَرامٌ)، ولكن الراجح عند المالكيّة الكراهة، لقول الإمام مالك: "ولا أحب أكل الضبع، والثعلب، ولا الذئب، ولا الهر الوحشي، ولا الإنسي، ولا شيء من السباع".
سبب القول بجواز أكل لحم الضبع
كانت العرب تأكل الضباع وكل ما لا يعدو على الناس بنابه؛ أي لا يعتدي عليهم أو يبتدئهم بالأذى، أما ذوات الناب التي تعدو على الناس كالأسد والنمر والفهد، فجاء فيها تحريم في السنة، ودليل ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الضبعُ صيدٌ فَكُلْها، و فيها كبشٌ مسنٌّ إذا أصابَها المحرمُ).
فالله -سبحانه- حرم القتل في الإحرام لكل ما يُباح أكله، والظاهر من الحديث أن الضبع من الصيد الذي يفدى إذا صاده المحرم؛ لأن النبي أباح قتل الكلب العقور في الإحرام، وهو مما اعتدى على الناس، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لا يأمر بقتل شيء لا يحل قتله، وبذلك كان أكل الضبع مما لا يعدو جائز، وقاسوا عليه الثعلب، ودواب الأرض من السباع التي لا تعدو.
وأما الحكمة من تحريم السباع التي تعتدي على الناس؛ فذلك لأن الغذاء له تأثير على الإنسان الذي يتغذى عليه، فقيل ربما كان اعتياد هذا النوع من الأطعمة يجعل الإنسان عدوانياً، ويحب الاعتداء على الآخرين، وعلى الإنسان أن يمتثل لأمر الله ورسوله حتى وإن لم يعلم الحكمة من ذلك.
ضابط ذوات الناب المنهي عن أكلها
إن المتأمل لأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- التي وردت في النهي عن أكل ذوات الناب؛ يرى أن التحريم كان لما ورد فيه وصفين: أن يكون ذا ناب، وأن يكون من السباع المعتدية بطبعها؛ كالأسد، والفهد، والنمر، فالضابط فيها هو:
- أن تكون من ذوات الناب التي تستقوي وتفترس به، كالأسد والنمر.
- أن تكون من العاديات ذوات القوة التي تلحق الضرر وتفتك بالإنسان؛ كالذئب.
- أن تكون خبيثة تتغذى على الجيف، وتؤثر في طبع الإنسان إذا أكلها؛ كالكلب وابن عرس.
ملخص المقال: حرّم الله -سبحانه- على المسلمين بعض الأطعمة الخبيثة مبيناً ذلك بنص شرعي واضح، وأباح لهم باقي الأطعمة، وقد تعدّدت آراء جمهور الفقهاء في حكم بعض الأطعمة؛ كلحوم الضباع، فذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز أكل لحومها، وذهب الحنفية إلى تحريمها، أما المالكية فقالوا بكراهة ذلك، واستدل كل مذهب بأدلة ونصوص الشرعية تبيّن الحكم الذي ذهبوا إليه، واضعين ضوابط لتحريم ذوات الناب من السباع.