حكم إهداء الأضحية عند المذاهب الأربعة
حكم إهداء الأضحية عند الفقهاء الأربعة
الأضحية هي ما يتقرب به العبد إلى ربه -تعالى- بنحر الإبل أو ذبح البقر أو الغنم في يوم عيد الأضحى أو في أحد أيام التشريق الثلاثة، وحكمها سنة على الأحياء، حيث يضحي عنه وعن عائلته وأسرته كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقد ذهب فقهاء المذاهب الأربعة إلى آراء وأقوال متعددة في حكم إهداء الأضحية، ومن ذلك:
- ذهب الحنفية إلى كراهية نقلها وإهدائها إلى بلد آخر إلا إذا علم له قرابة هناك، أو علم أن هناك أناساً هم أكثر حاجة وأشد فقر من أهل بلده.
- ذهب المالكية إلى كراهية الإهداء من لحم الأضحية لليهود والنصارى.
- ذهب الحنابلة والشافعية والمالكية إلى عدم جواز إهدائها ونقلها مسافة قصر السفر المقدرة (81) كم، ويستثنى من ذلك أهل ذلك المكان الأشد فقراً وعوزاً من أهل بلده، فيجب إهداء ونقل الأكثر لهم، وتوزيع ما تبقى على عائلته وأقاربه، كما ذهب الحنابلة إلى جواز إهداء غير المسلمين من أضحية التطوع والتصدق، وقالوا بمنع إهداء غير المسلمين شيء منها إذا كانت الأضحية واجبة مثل أضحية النذر.
حكم الأضحية عن الغير عند الفقهاء
ذهب الشافعية إلى عدم جواز ذبح الأضحية عن أحد من غير أن يوكله بذلك أو يأذن له بذلك، وذهبوا أيضا إلى عدم جواز ذبح الأضحية عن المتوفى إذا لم يوصِ بذلك أثناء حياته، مستدلين على ذلك بقول الله -تعالى-: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَ).
وقالوا: بجوازها إذا أوصى بذلك، وقالوا أيضا: بوجوب التصدق بكل الأضحية -التي أوصى بها المتوفى- على الفقراء، وليس لمن قام بتنفيذ الوصية ولا لغيره من الميسورين الأكل منها، لعدم إمكانية بل استحالة أخذ الإذن من المتوفى في الأكل منها.
وقال المالكية بكراهية ذبح الأضحية عن المتوفى إن لم يكن حددها قبل وفاته، فإن حددها بدون النذر استحب للوارث تنفيذها، وقال الحنفية والحنابلة بجواز ذبح الأضحية عن المتوفى، وأجاز الحنابلة أن يقوم بذبحها وتوزيعها والأكل منها، كمن يوزع ويفرق عن الأحياء، والثواب موصول للمتوفى، وذهب الحنفية إلى تحريم الأكل من الأضحية التي ذبحها وضحى بها عن المتوفى.
حكم إهداء الأضحية للنبي صلى الله عليه وسلم
لا يجوز إهداء ثواب الأضحية أو فعلها عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك لعدم ورود هذا الفعل من أصحابه -رضوان الله عليهم- وهم أكثر الناس اتباعا لهديه وسنته ومحبة له، وأحرصهم على فعل الخير.
بل إنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه دلّ أحدا على فعل ذلك كما هداهم ودلّهم على الصلاة عليه وسؤال المقام المحمود له بعد سماع الأذان، ولأن كل أمر حسن تقوم به أمته يصله ثوابه؛ لأنه هو سبب هدايتهم إلى فعله والقيام به.
صور إهداء الأضحية عن الأموات
للأضحية عن الأموات ثلاث صور وهي:
- الصورة الأولى: أن يضحي عنهم بمعية الأحياء
مثل: أن يقوم العبد بذبح الأضحية عنه وعن عائلته وأسرته، ويشمل بنيته الأموات والأحياء، وهذه صورة جائزة، ولقد ثبت عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه "كان يضحي عنه وعن أهل بيته وفيهم من قد مات من قبل، كخديجة رضي الله عنها".
- الصورة الثانية: أن يضحي عن الأموات تنفيذا لوصاياهم التي أوصوا بها قبل مماتهم
وهذه صورة واجبة على الموكل بتنفيذ الوصية ما دام قادراً على فعلها، بل إن الله -تعالى- توعد الذي لا ينفذ الوصية أو قام بتبديلها وتغييرها وعدم تنفيذها بالإثم، حيث قال -تعالى-: (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ).
- الصورة الثالثة: أن يضحي عن أموات مستقلين تصدقاً من غير الأحياء
كأن يذبح لابنه المتوفى أضحية مستقلة، أو لوالدته المتوفية أضحية مستقلة، فهذه أيضا صورة جائزة، ولقد ورد عند فقهاء الحنابلة أن أجرها يصل إلى المتوفى وينتفع به، كمن قدم صدقة مال أو غير ذلك من أنواع الصدقات عن والدته المتوفية، وإن كان الأفضل البعد عن ذلك لعدم ثبوته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم يضحِّ عن أحد من أمواته بشكل مستقل مهما وصلت درجة قرابته.