حكم إخلاف الوعد
حكم إخلاف الوعد في الإسلام
إنَّ مِن قِيَم المسلمين في تعامُلاتهم وفي أخلاقهم بين بعضهم الإيفاء بالوعود، فهو ممّا يَزيد من أواصر المحبّة والثّقة فيما بينهم، أما عن إخلاف الوعود بين المسلمين فهو أمرٌ غير جائز، بل وعدّه النبي -صلى الله عليه وسلم- من صفات المنافقين.
والله -تعالى- قد أرشدنا إلى الوفاء بالوعود، فقال الله -تعالى-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً)،فمن الأولى أن نتبعهم وأن نقتدي بهم في الوفاء بالوعود، وحكم الوفاء بالعهد ملزماً لصاحبِهِ إلا لِعُذُر، وإلّا عليه أن يُعَوِّضَ الموعود بالضرر الواقع أو أن يُنَفِّذَ وَعدَهُ.
حالات لا يجوز فيها التراجع عن الوعد
التراجع عن الوعود ليس من شِيَم المسلمين بين بعضهم، فالأصل بينهم الوفاء والصّدق بما تواعدوا عليه، وكما قال الله -تعالى- في كتابه الحكيم: (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) ، فالله -تعالى- يُبغض عدم فعل ما يقوله النّاس، وكذلك الوعد بشيءٍ دون الوفاء به، وهناك حالات لا يجوز للمسلم أن يتراجع بوعده فيها ولا يُعذر بها.
إذْ لا يجوز التراجع عن الوعد إذا ألحق الضرر بالطرف الآخر ، قد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ)، فالعهود التي يترتب على التراجع فيها ضرر للآخرين لا يجوز للمسلم أن يتراجع فيها.
التراجع عن الوعد في العقود المالية
يجري بين الناس العديد من العقود المالية، سواء بين التجّار أو بين الأفراد الذين يرغبون في بيع بعض الأشياء، وبالتالي يترتّب بينهم عقود مالية، وقد ذهب الحنفية إلى أن الرضا شرط لصحه العقود، فهي لا تصِح إلا بالتراضي، وإذا انعقدت فهي عقود فاسدة ملزمة للطرفين.
وقال جمهور الفقهاء إن الرضا أصل وأساس بالعقود كلها، وما تمّ بالرضا به لا يجوز فسخه إلا بالرضا أيضاً، فالعقود يترتّب على فسخها عدّة أمورٍ تضرّ بالمتعاقدين إن لم يتم فسخها بالتراضي، وهذا ما لا يجوز في ديننا الحنيف.
التراجع عن الوعد عند الهدنة في الحرب
الهدنة في الحروب هي وعود أيضاً، وتقسّم إلى نوعين هما:
- الهدنة المتعلقة بوقتٍ معيّن
وهي تنتهي عند انتهاء الوقت المتّفق عليه بين الطرفين، ولا يجوز لأحد الطرفين خَرْق العهد، حيث إنّ من نتائج خرق مثل هذه العهود وقوع أضرار لأطراف مُسالمة التزمت بما أُمرت به.
- الهدنة المُطْلَقة
وهي الهدنة التي لا تُعلَّق على وقتٍ، والحنفية يجيزون ذلك، فهي غير مرتبطةٍ بمدّة معينة، وإنما بشروط بين الطرفين، فأيّهما بدأ بنقض هذه الشروط يُعتبر ناقض للعهد ومخالف للوعود التي كانت بين الطرفين.
حالات يجوز فيها التراجع عن الوعد
الأصل في العقود والوعود بين المسلمين هو الالتزام بها، ولكن هناك بعض الحالات التي يُباح فيها التّراجع عن الوعد، وهذه من الأمور التي تخفّف على المسلمين أمورهم إن أصابهم الحرج في الالتزام بهذه الوعود، وأما ما ذُكِرَ عن الحنابلة: "لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ حُكْمًا"، فهي غير مُلزمة وإنما من صدق المسلم أن يلتزم بالعهود، وهذه الحالات هي:
التراجع عن الوعد بالزواج
الخِطبة هي وعد غير مُلزم للزواج، فهي غير مقترنة بعقد شرعي يُلزم الطرفان، ويستطيع الولي الرجوع عن الإجابة إذا رأى في ذلك مصلحة للمخطوبة، وكذلك المخطوبة تستطيع الرجوع عن الخِطبة إذا كرهت الخاطب.
إذ إنّ الزواج عقد عمري، وقد يحقّق لها الضّرر حينها إن لم تتراجع عن وعد لا ترغب بإكماله، كما يحقّ للخاطب أن يَعْدِل عن خِطبته، ولكي لا يتحقّق الضرر له تُلزم الخاطبة حينها بردّ الشبكة والهدايا وغيرها من الأمور.
التراجع عن الوعد بالهبة
التراجع عن الوعد بالهبة هو حالة من الحالات التي يجوز فيها التراجع عن الوعود، ولكن هناك أحكام وتفصيلات مهمّة وفروق بين الرجوع عنه قبل القبض أم بعده، ونذكر ذلك فيما يأتي:
- ثبت عن النبي -عليه السلام-: (الذي يَعُودُ في هِبَتِهِ كالكَلْبِ يَرْجِعُ في قَيْئِهِ)
حيث إن الكلب من أخبث الحيوانات، وهذا التشبيه من أسوء التشبيهات لمن يعود في هبته، وهذا دليل على تحريم الرجوع في الهبة بعد القبض.
- أما قبل القبض فليس الرجوع عن الهبة محرّما، لكنّه من إخلاف الوعد، وقال جمهور أهل العلم إنه مكروه، واختار شيخ الإسلام القول بأنه حرام.
- قال المالكية: إذا تسبّب الواعد بالهبة للموعود بتكلفةٍ تسبّب له الضرر إذا لم يوفِ الواعد بها، فهو حينئذ مُلزَم بالهبة.