حق غير المسلم على المسلم
حق غير المسلم على المسلم
عاش غير المسلمين في كنف الدَّولة المسلمة قروناً من الزَّمن، متمتِّعين بجملةٍ من الحقوق التي تضمن لهم حياةً كريمةً، يطبِّقون فيها دينهم ويعيشون في جوٍّ آمنٍ مستقرٍ، وهذه الضَّمانة مصدرها شرعنا الحنيف الذي أوصى بالأخلاق الحسنة والدَّعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ونشر مبادئ العدل والتَّسامح ورفع الظُّلم عن المظلومين، وإحقاق الحقوق ومحاربة الإفساد والطُّغيان بكلِّ أشكاله، وأن ينعم أفراد المجتمع بكامل حقوقهم على اختلاف أعراقهم وأديانهم.
حقوق غير المسلم على المسلم
الحقُّ هو: ما استحقَّه الإنسان على وجه يقرُّه الشَّرع ويحميه، فيمكِّنه منه، ويدفعه عنه، وفي هذا المقال سنعرض ما استحقَّه غير المسلم الذي يعيش داخل الدَّولة المسلمة، وكيف ضمن له الإسلام أن يعيش في المجتمع المسلم دون المساس بحريَّته ومعتقده:
حرية الاعتقاد
بيّنت الآية الكريمة: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، المبدأ العام الذي سار عليه المسلمون منذ الصَّدر الأوَّل للإسلام، فقد ترك الإسلام لرعاياه داخل الدَّولة المسلمة الحريَّة في الدُّخول إلى الإسلام، ولم يجبروا أحداً رغماً عنه على الدُّخول في الإسلام، وقد اجتهد المسلمون في دعوة غير المسلمين ونصحهم وإرشادهم، فانتشرالإسلام بقوَّة الحجَّة والبرهان، وبالأخلاق القويمة.
تجنب سبّهم أوسبّ معبوداتهم
نهى الإسلام المسلمين عن سبِّ معبودات غير المسلمين، قال الله -تعالى-: (وَلا تَسُبُّوا الَّذينَ يَدعونَ مِن دونِ اللَّـهِ فَيَسُبُّوا اللَّـهَ عَدوًا بِغَيرِعِلمْ)، أي لا تذكروا ما يعبدون من دون الله من آلهةٍ؛ بالسبِّ والشَّتم حتى لا يتطاولوا ويتجاوزوا إلى سبِّ الله -سبحانه-، وهذا من باب سدِّ الذَّرائع، فلا بدَّ للمسلم أن ينظر للعواقب قبل أن يُقدم على شيءٍ، ولو كان ظاهره حسناً فيه نهيٌ عن منكرٍ إذا أدَّى إلى مفسدةٍ أكبر من المنكر نفسه.
التسامح معهم والعفو عنهم
هذا السُّلوك الإنسانيُّ الرَّفيع مبنيٌ على اعتقاد مبدأ التَّعدُّديَّة وحريَّة الرَّأي للطرف الآخر وقبول الاختلاف، والشُّعور بالإخاء الإنساني، وقد ضرب النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- والصَّحابة -رضوان الله عليهم- أروع الصُّور في التَّسامح مع غير المسلمين والصَّفح عنهم ومساعدتهم عند حاجتهم، كقصة اليهوديّ مع الخليفة عمر بن الخطاب.
حيث كان كبيراً في السِّن وضريراً، وكان يطلب من النَّاس أن يتصدَّقوا عليه، فوجده عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على هذا الحال، وكان ذلك في فترة خلافته -رضي الله عنه-، فسأله: لماذا يفعل ذلك؟ فقال: حتى يستطيع دفع الجزية، وينفق على نفسه؛ لأنَّه لا يستطيع الكسب لكبر سنِّه.
فأخذه عمر -رضي الله عنه- إلى بيته وأطعمه، وأمر خازن بيت المال أن يُعطيه من بيت مال المسلمين راتباً شهرياً، وأن يُعطي كلَّ شخصٍ بهذه المواصفات، وقال: والله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثمَّ نخذله عند الهرم.
التعاون معهم على البرّ والإحسان والخير
لا بأس في التَّعاون مع غير المسلمين من أجل تحقيق المصالح العامَّة والخير المشترك بينهم، ومثال ذلك المُعاهدة التي وقّعها النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مع اليهود أوَّل هجرته إلى المدينة المنورة، التي وضع فيها القوانين العامَّة التي تحكم المدينة؛ بما يحقِّق الأمن والسَّلام والتَّعاون والخير للجميع.
التكافل الإجتماعي
التَّكافل الاجتماعي في الإسلام يشمل جميع أفراد المجتمع على اختلاف دياناتهم واعتقادهم وليس خاصاً بالمسلمين دون غيرهم، قال الله -تعالى-: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، ومعنى التَّكافل أن يستشعرَ كلُّ فردٍ بأنّ عليه واجباتٍ تجاه الآخرين كما له حقوقاً عليهم.
عدم ظلم غير المسلم
الظُّلم في الإسلام منهيٌ عنه على أيِّ حالٍ مع المسلمين وغيره؛ قال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (ألا مَن ظلَم معاهَدًا أوانتقصَهُ حقَّهُ أو كلَّفهُ فوق طاقتِهِ أو أخذ له شيئًا بغير حقِّهِ فأنا حجيجُهُ يومَ القيامَةِ ).
والمسلمون مأمورون بتحقيقِ العدلِ مع جميع الناس سواء مسلمين أو غير ذلك، قال الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
كيفية دعوة غير المسلم للإسلام
قال الله تعالى: (ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدينَ)، تدل هذه الآية على كيفيّة الدعوة إلى الله -تعالى- وأساليبها، وتكون أصل الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وهذا يعني أنَّ الإسلام حريصٌ كلَّ الحرص على هداية كلُّ إنسانٍ ودخوله للإسلام.
ومن وسائل دعوة غير المسلمين للإسلام ما يأتي:
- التَّعامل بالأخلاقِ الحميدة ِوالتَّعامل بلينٍ وبرٍّ، فهذا تطبيقٌ عمليٌّ له وقعٌ أقوى من الكلام.
- التَّعريف بأركان الإسلام والإيمان.
- التَّعريف بسيرة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
- التَّعريف بميّزات ومحاسن دين الإسلام، على أنَّه دينٌ موافقٌ للفطرة البشريَّة وملبِّي لحاجاتها النَّفسيَّة، والرُّوحيَّة، والعقليَّة، والجسديَّة.
- استخدام الحجج والأدلَّة العقليَّة، وأسلوب التَّرغيب والتَّرهيب مع الصَّبرعلى المدعو.
- خدمة المجتمع بما يستطيع الدَّاعية، فالطبيب يستطيع أن يخدم المرضى من الفقراء مجاناً أو بتكلفةٍ يسيرةٍ.
- استخدام أسلوب المُحاورة وذكر القصص للدَّعوة إلى الله -تعالى- لإقناعهم بالإيمان، وهو أسلوبٌ قرآنيٌّ؛ حيث نلحظ ذكر قصص الأنبياء والأمم السَّابقة حتى يتَّعظ الكافرين بمن سبقهم.
- الانترنت، وهي وسيلةٌ عصريَّةٌ يستطيع الدَّاعية تطويعها لينشر مبادئ الإسلام على أكبر نطاقٍ.
- المؤسسات العلميَّة والدَّعويَّة؛ حيث يكون العمل منظَّماً، يجمع طاقات كلِّ عضوٍ فيه، فتكثر الأفكار والآراء المُثمرة في العمل الدَّعوي.