حديث عن سوء الظن بالآخرين
إياكم والظن
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ)، من هذا الحديث نستنتج حث الإسلام على توطيد الأخوة والاجتماع بينهم، ونهيه عن كل ما يدعو للفرقة والتباغض والعداوة، ومن هذه الأمور النهي عنها: الظن؛ وهو تهمة تقع في القلب بلا دليل، والحديث بما لم يتيقن به من الأخبار.
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الكذب يقع في الظن أكثر من وقوعه في الكلام، وغالبًا ما يكون بحديث النفس؛ لأن الشيطان يلقي في نفس الإنسان الظن بالآخرين، وفي هذا الحديث يحذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الظن، ولكن على المؤمن أيضاً أن يكون فطناً فلا ينخدع بالآخرين.
إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم
عن علي بن الحسين بن علي -رضي الله عنه-: (أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أتَتْهُ صَفِيَّةُ بنْتُ حُيَيٍّ فَلَمَّا رَجَعَتِ انْطَلَقَ معهَا، فَمَرَّ به رَجُلَانِ مِنَ الأنْصَارِ فَدَعَاهُمَا، فَقالَ: إنَّما هي صَفِيَّةُ، قالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ، قالَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ).
وفي هذا الحديث بيان أن على المسلم أن يقدم حسن الظن إذا رأى من أخيه المسلم ما يبعث على الشبهة، والحديث ينص على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قام ليوصل أم المؤمنين صفية -رضي الله عنها- إلى منزلها، رآهما رجلان من الأنصار، فلما شاهدا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسرعا، فطلب منهما الرسول أن يتمهلا، وأخبرهما أنها صفية بنت حيي ، أي زوجته.
وتعجبا من ذلك، فهل سيشكان بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؟، فأخبرهما النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم؛ أي أنه يوسوس له في كل وقت وحين، وأخبرهما الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنها زوجته؛ لأنه خشي أن يقذف الشيطان في قلوبهما شرًا، ويحدثهما بأمر سوء، وهذا من رأفة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن لا يوقعهما بإساءة الظن به.
لنا بظواهر الناس والله يتكفل بالسرائر
عن أسامة بن زيد أنه قال: (بَعَثَنَا رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إلى الحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا القَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، ولَحِقْتُ أنَا ورَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ رَجُلًا منهمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ، قَالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَكَفَّ الأنْصَارِيُّ فَطَعَنْتُهُ برُمْحِي حتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَقَالَ: يا أُسَامَةُ، أقَتَلْتَهُ بَعْدَ ما قَالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قُلتُ: كانَ مُتَعَوِّذًا، فَما زَالَ يُكَرِّرُهَا، حتَّى تَمَنَّيْتُ أنِّي لَمْ أكُنْ أسْلَمْتُ قَبْلَ ذلكَ اليَومِ).
في الحديث دلالة واضحة على وجوب الحكم بظاهر الأمور، أما السرائر فليس لنا الحكم عليها وإنما أمرها إلى الله، وفيه تحذير شديد من الحكم على ما في القلوب دون بينة ودليل، أما القلوب ونيات الآخرين فليس لنا سبيل إلى معرفتها، وفي الحديث إنكارٌ من الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أسامة -رضي الله عنه-؛ بأنه امتنع عن العمل بما ظهر على لسان ذلك الرجل.