نبذة عن المنظومة الإلبيرية
نبذة عن المنظومة والشاعر
المنظومة الإلبيرية هي قصيدة نظمها الشاعر الأندلسي إبراهيم بن مسعود بن سَعد التُّجيبي الإلبيري الغرناطي المعروف (بأبي إسحاق الإلبيري) نِسبةً إلى مدينة إلبيرة وقرية غرناطة في الأندلس، وهو من أهم شعراء العصر الأندلسي ، وقد وُلدَ هذا الشاعر نحو سنة 375هـ في منطقة حصن العقاب وفيها نشأ، ثم انتقل إلى مدينة إلبيرة لسبب من الأسباب واستقرَّ فيها آنذاك، وتوفي -رحمه الله- قريبًا من سنة 460هـ.
من أشهر قصائد أبي إسحاق الإلبيري التي نظمها: القصيدة التائية وهي مطلع ديوان الإلبيري وأول قصيدة فيه، وتُعرف أيضًا بتائية الإلبيري اشتملت على حكم ومواعظ وآداب كثيرة، وعلى التذكير بالآخرة، وبيان حال الدنيا الفانية، وأهمية طلب العلم، بالإضافة إلى آداب وأخلاق عديدة أخرى.
تُخاطب القصيدة مَن دعاه الشاعرُ: (أبا بكر) ويعاتبه أبو إسحاق، ويُحاوره ويُرشده إلى آداب نبيلة وأخلاق فضيلة، وكان أبو بكر قد ذَمَّ أبا إسحاق الإلبيري، وذكر بعض معايبه فبلغه ما قال، فكان ذلك سَبَبًا في تهييج الشاعر ونظم القصيدة، وفُرصةً لبذل النصائح العديدة في الحث على طلب العلم لأهميته والتقوى ومُبادرة التوبة وعدم التعلُّق بالدنيا، ونحو ذلك.
وهي منظومة عظيمة جامعة شاملة مستفيضة بالحكم والمواعظ والآداب والنصائح، وكان أهل العلم القدماء يحفظونها، ويحرصون على تحفيظها لتلاميذهم لما فيها من النفع، وترقيق القلوب، وحفظ الأوقات، واغتنام الساعات، والزهد في الدنيا، والحرص على طلب العلم، وحضور مجالسه، والتشجيع على ذلك.
فالناظم يقول في هذه الأبيات أنه يجب علينا اغتنام الأوقات والحرص عليها، والحذر من التعلق بالدنيا الزائلة والركون إليها، فإنها قصيرة، والعُقلاء لا يركنون إليها، ويحثّ الشباب على اغتنام وقت شبابهم وقوتهم، فإنّ الأيام والليالي تضعف القوة والجسد.
موضوعات أبيات القصيدة
المنظومة على قافية التاء من البحر الوافر ، منظومة من 112 بيتًا، وبعضهم ضبطها على 115 بيتًا، تختلف موضوعات القصيدة من مجموعة أبيات لمجموعة أخرى، إلّا أنها تصُب في بحرٍ واحد، وتنقسم موضوعات القصيدة إلى ما يأتي:
الأبيات (1-5)
بدأت المنظومة بالكلام عن غفلة الإنسان وما تصنعه الأيام والساعات به ولومه على الغفلة عن ذلك، قال الشاعر:
تَفُتُّ فُؤادَكَ الأَيّامُ فَتّا
- وَتَنحِتُ جِسمَكَ الساعاتُ نَحتا
وَتَدعوكَ المَنونُ دُعاءَ صِدقٍ
- أَلا يا صاحِ أَنتَ أُريدُ أَنتا
الأبيات (6-10)
الالتفات لمُخاطبة أبي بكر وحَضِّه على طلب العلم النافع، إلا أنّ الخطاب يعُمّ بني آدم جميعهم، فقال الشاعر:
أبا بَكرٍ دَعَوتُكَ لَو أَجَبتا
- إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
إِلى عِلمٍ تَكونُ بِهِ إِماماً
- مُطاعاً إِن نَهَيتَ وَإِن أَمَرتا
الأبيات (11-18)
بيان فضل طلب العلم وعلوّ منزلته ومنزلة العلماء، وحلاوة العلم ولذته، قال الشاعر:
يزيدُ بِكَثرَةِ الإِنفاقِ مِنهُ
- وَينقُصُ أَن بِهِ كَفّاً شَدَدتا
فَلَو قَد ذُقتَ مِن حَلواهُ طَعماً
- لَآثَرتَ التَعَلُّمَ وَاجتَهَدتا
الأبيات (19-27)
التنبيه إلى أنَّ الإنسان مسؤول عن علمه والعمل به وعن جهالته والإعراض عن ذلك، قال الشاعر:
وَإِن أوتيتَ فيهِ طَويلَ باعٍ
- وَقالَ الناسُ إِنَّكَ قَد سَبَقتا
فَلا تَأمَن سُؤالَ اللَهِ عَنهُ
- بِتَوبيخٍ عَلِمتَ فَهَل عَمِلتا
الأبيات (28-44)
تسفيه مَن يُفضّل المال والدنيا وملذاتها على العلم ولذته، قال الشاعر:
وَلا تَحفِل بِمالِكَ وَالْهُ عَنهُ
- فَلَيسَ المالُ إِلّا ما عَلِمتا
وَلَيسَ لِجاهِلٍ في الناسِ مَعنًى
- وَلَو مُلكُ العِراقِ لَهُ تَأَتّى
الأبيات (45-54)
التهوين مِن شأنِ الدنيا، وأنها عَرَضٌ فانٍ لا بقاءَ له، قال الشاعر:
فَلَيسَت هَذِهِ الدُنيا بِشَيءٍ
- تَسوؤُكَ حقبَةً وَتَسُرُّ وَقتا
وَغايَتُها إِذا فَكَرَّت فيها
- كَفَيئِكَ أَو كَحُلمِكَ إِن حَلمتا
الأبيات (55-60)
الدعوة إلى الجدّ والاجتهاد دون تكاسل، وإلى التضرع ودعاء الله -سبحانه- وسؤاله والخضوع إليه، قال الشاعر:
وَكَيفَ لَكَ السُرورُ وَأَنتَ رَهنٌ
- وَلا تَدري أَتُفدى أَم غَلِقتا
وَسَل مِن رَبِّكَ التَوفيقَ فيها
- وَأَخلِص في السُؤالِ إِذا سَأَلتا
الأبيات (61-65)
استغلال زمن الصبا بالطاعات وتعجيل التوبة وفيها اللوم على التفريط في ذلك، قال الشاعر:
وَلا تَقُل الصِبا فيهِ مَجالٌ
- وَفَكِّر كَم صَغيرٍ قَد دَفَنتا
الأبيات (66-69)
اللوم على التقصير والوقوع في المعاصي، وجعل نفسه مثالًا يتحدث عنه في الابتعاد عن ذلك، قال الشاعر:
وَها أَنا لَم أَخُض بَحرَ الخَطايا
- كَما قَد خُضتَهُ حَتّى غَرِقتا
الأبيات (70-81)
الدعوة إلى ذم النفس على تقصيرها وإخلادها إلى الدنيا ونسيان الآخرة، قال الشاعر:
وَنَفسَكَ ذُمَّ لا تَذمُم سِواها
- بِعَيبٍ فَهيَ أَجدَرُ مَن ذَمَمتا
فَلَو بَكَت الدَما عَيناكَ خَوفاً
- لِذَنبِكَ لَم أَقُل لَكَ قَد أَمِنتا
الأبيات (82-86)
الدعوة إلى تذكّر يوم الحساب والخوف من نار جهنم، قال الشاعر:
وَلَو قَد جِئتَ يَومَ الفَصلِ فَرداً
- وَأَبصَرتَ المَنازِلَ فيهِ شَتّى
لَأَعظَمتَ النَدامَةَ فيهِ لَهَفاً
- عَلى ما في حَياتِكَ قَد أَضَعتا
الأبيات (97-99)
الاعتراف العام بالذنوب، وسَرْد معايب الإنسان المُقصِّر، قال الشاعر:
وَصِرتَ أَسيرَ ذَنبِكَ في وَثاقٍ
- وَكَيفَ لَكَ الفُكاكُ وَقَد أُسِرتا
الأبيات (100-112)
خُتمت المنظومة بنصائح وآداب عامة في التحذير من رفاق السوء والجهلاء، وكيفية مُعاملة الناس، ودعا إلى الانتقال من المكان الذي لا يُحسن الإنسان العمل والعبادة فيه إلى البحث في أرض الله الواسعة عن مكان يُحسن فيه طاعة الله عز وجل، قال الشاعر:
لا تَلَبَث بِحَيٍّ فيهِ ضَيمٌ
- يُميتُ القَلبَ إِلا إِن كُبِّلتا
وقال أيضًا:
جَمَعتُ لَكَ النَصائِحَ فَامتَثِلها
- حَياتَكَ فَهِيَ أَفضَلُ ما امتَثَلتا
العبرة المستفادة من القصيدة
إنّ العبرة المستفادة من هذه المنظومة هي الحرص على طلب العلم واغتنام الأعمار فيما ينفع الإنسان في آخرته من المُداومة على الطاعة والتضرُّع إلى الله -سبحانه- والإنابة إليه، والحذر من الغفلة والمعاصي والتعلُّق بالدنيا والمال بما يشغل المرء عن طاعة ربّه سبحانه وتعالى.