حديث عجباً لأمر المؤمن
حديث عجبا لأمر المؤمن
روى صهيب الرومي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له)، ويدل الحديث على فضل ومكانة خُلقيّ الصبر والشكر، وضرورة تحلّي المؤمن بهما في كل أوقاته، والمُراد بالمؤمن المذكور في الحديث هو المصدّق بقدر الله وقضائه، والراضي بما كتبه الله له، المنتظر لوعد الله وجزائه، فهذا المؤمن إن أنعم الله عليه بالسّراء شكر الله، وإن ابتلاه بالضراء صبر، وفي كلا الحالين فقد نال خيريّ الدنيا والآخرة ، ويختصّ ذلك بالمؤمن فقط.
ويختص الصبر بالبلاء، ويختص الشكر بالنعمة، وقد تكون النعمة فتنة أشد من الضراء، وفي ذلك قال بعض السلف: "الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر"، فهذا هو الدين كلّه، ويعدّ الصبر من نعم الله -سبحانه وتعالى- على عباده، وقد أظهر رسول الله تعجبه من ذلك على وجه الاستحباب، أمّا المراد بالخير الذي يحصله المؤمن فهو عظيم الأجر والثواب، ومغفرة الله ورحمته، قال -تعالى-: (وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم).
معنى الشكر وفضله
يعترف الشّاكر لله بما أنعم عليه من النعم، وبما أسبغ عليه من الفضائل، ويتقرّب إلى الله -سبحانه وتعالى- بالشكر فيزيده من نعمه وأفضاله، قال -تعالى-: (وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ)، وقد وردت الكثير من الأحاديث النبوية التي تدلّ على ذلك، منها ما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أُعطيَ عطاءً فوجدَ فليَجْزِ بهِ، فإنْ لَم يجدْ فليُثنِ، فإنَّ مَنْ أثنَى فقَد شكرَ، ومَنْ كتَمَ فقد كَفرَ)، والشكر كفيل لإصلاح الإنسان في قلبه ولسانه وجوارحه، حيث يكون الشّكر بها، وهو أعمّ وأشمل من الحمد، كون الحمد يكون باللسان فقط، ويحتاج المسلم إلى الشكر ليشكر الله -تعالى- فيما أنعم عليه، فمهما عمل الإنسان من الصالحات والطاعات لن يفِ بحقّ نعمة واحدة منها، وليس له بذلك إلّا أن يشكر الله.
ويتحقّق الشكر بفرح القلب بما أنعم الله على صاحبه من النعم والفضائل، ثمّ العمل بهذه النعم والقيام بحقها باللسان من خلال الشكر ، والعمل بها في الجوارح باستخدامها فيما يرضي الله، وبالقلب من خلال استشعار مراقبة الله على الدوام، ولا ينحصر الشكر كما يظنّ البعض بقول العبد بلسانه "الحمد لله"، أو الشكر، بل إنّ جميع ما يقوم به المسلم من العبادات ، والأعمال الصالحة، والطاعات، وأفعال الخير، يدخل في نطاق الشكر؛ كالصلاة، والصيام ، ومراجعة النفس لتقصيرها، وإقراره بأنّ الله هو المنعم عليه، والفرح بأبسط النعم، ثمّ معرفة العبد بأنّ توفيق الله له بأداء الشكر هو بحدّ ذاته نعمة، وقد قرن الله الشكر بالذكر فقال: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)، وجعل الله الشكر أساس بقاء النعمة ودوامها.
ويعدّ الشكر أعلى مراتب السائرين في سبيل الوصول إلى الله، وهو أرفع من الرّضا، ويقوم على خضوع العبد لخالقه، وحبه له، والاعتراف بنعمته، والثناء عليه بما هو أهله، واستخدامه للنعمة فيما يرضيه، وللشكر مجموعة من الفضائل، منها:
- ثناء الله -عزّ وجلّ- على الشاكرين، وجعل الشكر صفة من صفات عباد الله الذين اختصّهم به، قال -تعالى-: (إِنَّ إِبراهيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّـهِ حَنيفًا وَلَم يَكُ مِنَ المُشرِكينَ* شاكِرًا لِأَنعُمِهِ).
- اعتبار الشكر الغاية من إنعام الله على عباده بالنعم العديدة، قال -تعالى-: (وَاللَّـهُ أَخرَجَكُم مِن بُطونِ أُمَّهاتِكُم لا تَعلَمونَ شَيئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَالأَفئِدَةَ لَعَلَّكُم تَشكُرونَ).
- الوعد بالجزاء العظيم الحسن لِمن يشكر الله، قال -تعالى-: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ).
- الزيادة في النعم، قال -تعالى-: (وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ).
- قبول الله للعمل مهما كان صغيراً وبسيطاً، وسمّى نفسه الشكور، قال -تعالى-: (وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّـهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ).
- إلهام الله لعباده الصالحين بالتوجه بالشكر لله بمجرد رؤيتهم لنعمه، وذلك مثل ما ورد عن سليمان -عليه السّلام- في قوله -تعالى-: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ).
معنى الصبر وفضله
يُعرّف الصبر بأنّه منع النفس عن اليأس والسخط، ومنع اللسان عن الألفاظ التي تُظهر عدم الرضى وكذلك الجوارح عن الأعمال التي تدل على السّخط، وقد عرفه الجنيد هذا الخُلُق فقال: "تجرع المرارة من غير تعبس"، وقيل إنّه الوقوف مع البلاء بحسن الأدب، وينقسم الصبر إلى ثلاثة أقسام: الصبر على الطاعة من أجل القيام بها والثبات عليها؛ سواء كانت من الواجبات أم المستحبات، والصبر عن المعصية بتركها والامتناع عنها، والصبر على قدر الله الذي يتضمّن الابتلاءات والمصائب، وهو القسم المقصود به الحديث الشريف ، حيث إنّ هذه المصائب لا اختيار للعبد بوقوعها عليه، وهي في ظاهرها شرّ لكنّ باطنها مليء بالخير، بل هي الخير كلّه، فيصبر العبد عليها ثمّ إن فهم ما فيها من الخير اعتلى حتى وصل مرتبة الشكر عليها فتصير في حقّه نعمة، وللصبر فضائل عديدة، منها:
- أمْر الله -تعالى- به، فمن يحرص على التخلّق به فقد امتثل أمر الله العظيم، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ).
- نهي الله عن خلافه، قال -تعالى-: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ).
- ثناء الله على الصابرين، قال -تعالى-: (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ).
- محبّة الله -تعالى- للصابرين، قال -تعالى-: (وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).
- معيّة الله لهم، والوقوف معهم، وحفظهم، ونصرتهم، قال -تعالى-: (وَاصبِروا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصّابِرينَ).
- الصبر هو الخير للعباد، قال -تعالى-: (وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصّابِرينَ).
- جزاء الله لهم بالجزاء العظيم، قال -تعالى-: (وَلَنَجزِيَنَّ الَّذينَ صَبَروا أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ).ومن غير حساب، قال -تعالى-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).
- بشارة الله لهم، قال -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
- نصر الله وتأييده لهم، قال -تعالى-: (بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ).
- أهل الصبر هم أهل العزائم، قال -تعالى-: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
فيحرص المؤمن على الرضا بما أصابه من قدر الله والصبر عليه، ثمّ إنّ معرفة العبد أنّ ما أصابه إنّما هو من عند الله الذي لا يأتي إلّا بالخير، يُعينه على الصبر على ما أصابه، وأنّ ما جاء من الله ليس على وجه العذاب، وإنّما هو ابتلاء واختبار منه -سبحانه-؛ ليختبر به عباده، فمن صبر تفضّل عليه بحسن الجزاء وجزيل الثّواب.