جهاد سعد بن معاذ
سعد بن معاذ
هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس الأنصاري الأشهلي، وأمّه كبشة بنت رافع بن عبيد بن ثعلبة، وكان سيد قومه الأوس، وزعيم قبيلة بني عبد الأشهل، ومن صفاته الخَلقية أنّه كان طويل القامة، أبيض البشرة، وسيم الوجه، عظيم الخِلقة، حسن اللحية، ومن الجدير بالذكر أنّه أسلم وهو في الواحد والثلاثين من عمره، وكان ذلك قبل الهجرة بسنةٍ واحدةٍ على يد مصعب بن عمير رضي الله عنه، وقد تبعه قومه كلّهم للإسلام في نفس اليوم الذي أسلم فيه، كما أنّه شهد مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الكثير من المعارك، واستشهد سعد يوم الخندق ، وهو يومئذٍ ابن سبعٍ وثلاثين سنة، وقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عند وفاته: (اهتزّ العرشُ لموت سعد بن معاذ)، ثم صلّى عليه، ودفنه في مقبرة البقيع.
جهاد سعد بن معاذ
جهاد سعد بن معاذ يوم بدر
ضرب سعد بن معاذ -رضي الله عنه- أروع الأمثلة في التضحية والجهاد في سبيل الله ، ومن أعظم المواقف التي سجّلها التاريخ لسعد بن معاذ رضي الله عنه؛ موقفه يوم بدر ، وبالتحديد عندما قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قُبيل المعركة: (أشيروا عليّ أيها الناس)، وكانت غاية النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا السؤال التأكّد من موافقة الأنصار ووقوفهم معه في قتاله لكفار قريش في بدر، لأنّهم كانوا قد بايعوه في العقبة الثانية على أن يحموه من كلّ عدوٍ يُداهم المدينة المنورة ، ولم يبايعوه على أن يسير بهم للقاء الكفار خارج أسوارها، فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه: (والله لكأنّك تريدنا يا رسول الله)، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أجل)، فقال سعد: (فقد آمنّا بك، وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لما أمرك الله، فوالذي بعثك بالحق، إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما يتخلّف منا رجلٌ واحدٌ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنّا لصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فَسِر بنا على بركة الله)، ففرح رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بما سمعه من سعد بن معاذ رضي الله عنه، ثمّ سار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالمسلمين إلى أن وصلوا أرض المعركة، وكان لسعد بن معاذ -رضي الله عنه- في هذه المعركة دوراً جهادياً هامّاً؛ وهو حماية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقام المسلمون ببناء عريش؛ ليجلس فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وليكون مقرّ قيادة المعركة، ثمّ تولّى سعد بن معاذ -رضي الله عنه- مع مجموعةٍ من فرسان المسلمين حراسة النبي عليه الصلاة والسلام.
جهاد سعد بن معاذ يوم أُحد
كانت معركة أُحد من أصعب المواقف التي مرّت على المسلمين؛ إذ إنّ تغيّر مسار المعركة من النصر الساحق إلى التقهقر والانسحاب تسبّب في حدوث اضطرابٍ كبيرٍ في صفوف المسلمين، وممّا زاد الأمر سوءاً؛ انتشار خبر مقتل الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في صفوف الجيش، ممّا أدّى إلى إجبار المسلمين على الانسحاب، فكان سعد بن معاذ -رضي الله عنه- من الذين أُجبروا على الانسحاب، وثبت بعض الرجال، ومنهم: أنس ابن النضر رضي الله عنه، فقد قال عندما شاهد انسحاب المسلمين: (اللهم إنّي أعتذر إليك عمّا صنع هؤلاء -يعني أصحابه- وأبرأُ إليك ممّا جاء به هؤلاء -يعني المشركين-)، ثمّ توجّه نحو الكفار يريد قتالهم، فلقي سعد بن معاذ دون أُحد فقال: (يا سعد بن معاذ الجنة وربّ النضر، إنّي أجد ريحها من دون أُحد)، قال سعد: (فما استطعت يا رسول الله ما صنع)، فأثنى سعد -رضي الله عنه- على شجاعة أنس بن النضر، واعترف بعدم القدرة على مجاراته في ذلك الموقف، وكان صادقاً مع الله تعالى ورسوله على الرغم من ضعف موقفه، فرفع الله -تعالى- قدره في عين النبي عليه الصلاة والسلام، والصحابة رضي الله عنهم.
جهاد سعد بن معاذ يوم الخندق
أبلى سعد بن معاذ -رضي الله عنه- بلاءً حسناً يوم الخندق ، وكان له موقفٌ عظيمٌ، فبعد أن انسحبت قريش وحلفاؤها، أمر الله -تعالى- رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- بالتوجّه إلى يهود بني قريظة، فانطلق النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمسلمين إلى حصون بني قريظة، وحاصرهم إلى أن طلبوا النزول على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، وكان سعد قد أُصيب بسهمٍ في الأكحل، وكان يتلقّى العلاج في خيمةٍ في المسجد، فأرسل الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في طلب سعد رضي الله عنه، وردّ إليه الحكم فيهم، فقال سعد: (فإنّي أحكمُ فيهم أن تُقتل المقاتلِة، وأن تُسبى الذرية والنساء، وتُقسّم أموالهم)، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لقد حكمتَ فيهم بحكمِ اللهِ عزّ وجلّ)، وبعدها بدأ سعد يتعافى من جرحه، فقال:(اللهم إنّك تعلم أنّ ليس أحدٌ أحبّ إليّ أن أجاهدَ فيك، من قومٍ كذّبوا رسولك -صلّى الله عليه وسلّم- وأخرجوهُ، اللهمّ فإن كان بقيَ من حرب قريشٍ شيءٌ فأبقني أجاهدهم فيك، اللهم فإنّي أظنّ أنّك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فأفجرها واجعل موتي فيها)، فانفجر جرحه ونزف الدم إلى أن استُشهد.