جابر بن سمرة
الصحابة الكرام
الصحابة الكرام هم أولئك الذين أكرمهم الله بلقاء النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على الإيمان وماتوا على دينه، وعدالتهم وفضلهم جاءتْ تثبتها الآيات الكريمة وتؤكّدها السنة النبوية في مواضعٍ ومواقفٍ متعدّدةٍ، ممّا يؤكّد على أنّ المولى -سبحانه- خصّهم بكريم الخصال، وأكرمهم ببالغ الفضل، قال الله سبحانه: (حَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ)، وقال تعالى: (وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ)، ولقد عايش النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته الكرام فرأى منهم التضحيات وحُسن الامتثال فامتدحهم وأوصى بهم، ومن ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تَسُبُّوا أَصحَابِي؛ فَوَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَنَّ أَحَدَكُم أَنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدرَكَ مُدَّ أَحَدِهِم وَلا نَصِيفَهُ)، ولو ذهب أحدٌ وأجهد نفسه في تعداد خصالهم وحصر فضائلهم وتسطير جهدهم وتضحيتهم لما وسعته مداد المؤلفات، ولكنّهم رغم ذلك كلّه لا يجوز لأحد أنْ يخرج بهم إلى دائرة العصمة؛ فهم بشر تفضّل عليهم المولى بصحبة الحبيب رسول الله محمدٍ -عليه الصلاة والسلام- لكنّهم يجوز عليهم ما يجوز على البشر، ومن هؤلاء الصحابة الكرام جابر بن سمرة رضي الله عنه، فمن هو جابر، وما هي أبرز محطّات حياته مع الإسلام؟
جابر بن سمرة
يجد المستقرء لكتب السّير أنّ جابراً -رضي الله عنه- كان شديد الحرص على قرب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد تناول كثير من المؤرخين في سيرة الأصحاب الكرام عن حياة جابر رضي الله عنه، وصحبته مع النبي عليه السلام، ومنهم ابن حجر العسقلاني صاحب كتاب الإصابة في تميز الصحابة، ويمكن إجمال أهم محطات سيرته بما يأتي:
- اسمه ونسبه: هو جابر -رضي الله عنه- صحابيٌ جليلٌ، وهو ابن سمرة بن جنادة بن جندب بن حجير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة العامريّ السّوائي، وقد كان حليفاً لبني زهرة.
- صحبة أبيه: كان لأبيه سمرة بن جنادة -رضي الله عنه- صحبةً مع رسول الله عليه السلام.
- أمّ جابر: أم جابر -رضي الله عنه- هي خالدة بنت أبي وقاص، وهي أخت سعد بن أبي وقاص.
- كنيته: جاء في كتب السّير أنّه كان يكّنى بأبي عبد الله، وقيل بأبي خالد.
- حرصه على معية النبي: كان شديد الحرص على الصلاة بمعيّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فقد جاء عنه أنّه قال: (صليت مع النّبيّ -صلّى اللَّه عليه وسلم- أكثر من ألفي مرةً).
- إقامته ووفاته: نزل جابر -رضي الله عنه- في الكوفة ، وبنى بها داراً له، وتوفي هناك سنة أربعٍ وسبعين للهجرة.
- ذريته وعقبه: عند وفاة جابر -رضي الله عنه- خلّف وراءه أربعةً من الولد، هم خالد ومسلم وأبو جعفر وجبير، وكان عقبه من ذرية مسلم وخالد.
- سماعه الحديث: كان جابر -رضي الله عنه- ممّن سمع وروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأخرج له أصحاب الحديث في الصحاح.
- تلاميذه في الرّواية: سمع من جابر -رضي الله عنه- وروى عنه جماعةً من كبار التابعين الذين اشتغلوا برواية الحديث، ومنهم الشعبي، وعامر بن سعد بن أبي وقاص، وتميم بن طرفة الطائي، وأبو إسحاق السبيعي، وسماك بن حرب، وحصين بن عبد الرحمن وغيرهم.
جانب من روايات جابر بن سمرة
كان الصحابي الجليل جابر بن سمرة له سماع ورواية عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في جوانبٍ متعدّدةٍ من أقواله وأفعاله، ومن ذلك:
- جاء في كتب الحديث أنّ جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: (رأيتُ رسولَ اللهِ في ليلةٍ إِضْحِيانٍ، وعليه حُلَّةٌ حمراءُ، فجعلتُ أنظرُ إليه وإلى القمرِ، فلهوَ عندي أحسنُ من القمرِ).
- من الروايات التي تؤكّد كثرة مجالسته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وحرصه على البقاء في معيته قوله عندما سُئل عن ذلك: (نعم كثيراً، كان لا يقومُ من مصلَّاهُ الذي يصلي فيهِ الصبحَ أو الغداةَ حتى تطلعَ الشمسُ، فإذا طلعتِ الشمسُ قام، وكانوا يتحدثون، فيأخذون في أمرِ الجاهليةِ، فيضحكون ويتبسمُ).
واجب المسلمين تجاه الصحابة
إنّ للصحابة الذين شرّفهم الله -تعالى- بصحبة نبيه محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- حقوقاً يجدر بالمسلمين الوقوف عندها والامتثال لها، وقد أفرد لها أهل العلم كلاماً في مصنّفاتهم في كتب العقائد، ومن أهمّ هذه الحقوق:
- تمكين محبتهم في القلب، وإظهار الثناء عليهم باللسان، وذلك بمعرفة ما قدّموه من معروفٍ، وبما اشتهر عنهم من إحسانٍ.
- تحقيق الاعتقاد بفضلهم ومكانتهم وأنّهم ثقاتٌ عدولٌ، ومعرفة أنّ الصحابة -رضوان الله عليهم- هم الذين حملوا رسالة هذا الدين، وتحمّلوا في سبيل تبليغه الكثير من المصاعب حتى وصل إلى الأجيال من بعدهم.
- التّرضي عنهم ، والدعاء لهم، والترحّم عليهم؛ امتثالاً لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ).
- الإحجام عن ذكر تفاصيل الخلافات التي حصلت بين بعضهم، وسلامة الصدور تجاههم.
- عدم رفعهم فوق حدود بشريّتهم التي خلقهم الله عليها، وذلك بعدم الإفراط في محبّتهم إفراطاً يخرج عن حدّ الاعتدال.