ثلاثة لا ترد دعوتهم
الثلاثة الذين لا تُردّ دعوتهم
جاء في بعض الأحاديث عددٌ من الأصناف التي لا يردُّ الله -تعالى- دعوتهم، وهذه الأحاديث فيها ضعف، كحديث: (ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتُهم: الصائمُ حتى يُفطِرَ، والإمامُ العادلُ، ودعوةُ المظلومِ، يرفعها اللهُ فوقَ الغمامِ ويُفتَحُ لها أبوابُ السماءِ، ويقولُ الربُّ: وعزَّتي لأنصرنَّكِ ولو بعد حِينٍ)؛ وعدم ردِّ دعوتهم؛ دليلٌ على سُرعة استجابة الله -تعالى- لِدُعائهم إمّا لصلاحهم أو لتضرّعهم، وأمّا الحديث الآخر الذي قال عنه العُلماء بأنّه معلول فهو: (ثلاثُ دعواتٍ مُستجاباتٌ لا شكَّ فيهِنَّ: دعوةُ الوالدِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ المظلومِ)؛ وجاءت بصيغة التأكيد للأصناف الثلاثة؛ لتوجُّهِهم لربّهم بصدق الدُّعاء، ورقّة القلب وانكساره.
ويستجيبُ الله -تعالى- لهذه الأصناف؛ لصلاحٍ فيها، ولتفرُّغ الصائم وتركه لشهواته ومحبوباته لأجل خالقه -تعالى-، فيكُافأ على ذلك بِقبول دعوته، والمظلوم ؛ لما يُصيبه من حُرقةٍ ممّن ظلمه، فيدعو مُضطراً لربه -تعالى-، وقد وردت بعض الأحاديث الصحيحة التي تخصّ كل صنفٍ منهم، وبيانُ هذه الأصناف فيما يأتي.
الصائم
بيّن الله -تعالى- ورسوله أنّ دُعاء الصائم مُجاب، وذلك لِقوله -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)؛ أي ناداهم الله -تعالى- للطّاعة وهي الصيام فأجابوه، فيُجيبهم الله -تعالى- إذا دعوه لِمهامهم، وفي الآية هذه إشارةٌ إلى حثّ الصائم على الإكثار من الدُّعاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ للصَّائمِ عندَ فِطرِهِ لدعوةً ما تردُّ)، والصائم الذي يُقبل دُعاؤه هو الصائم الذي حفظ جوارحه عن المعاصي؛ فيُستجابُ دُعاؤه لطهارته ولِمُخالفته لِهواه، وذكر الإمام النوويّ أنّ لفظ الحديث ذكر دعوة الصائم حتى يُفطر، فيدُلّ ذلك على أنّ إجابة الدّعوة تكون عند صيامه إلى أن يُفطر، أو عند دُخوله في زمان الفِطر، ويستجيب الله -تعالى- دُعاءه؛ لأنّه في حال طاعة وتضرّع لربّه -تعالى- ومسكنة إليه.
الإمام العادل
كتب الحسن إلى عُمر بن عبد العزيز صفات الإمام العادل، وهي: أن يُقوّم كُلّ مائل، ويقصدهُ كُلّ مظلوم، ويُصلح الفساد، ويُقوّي الضعيف، ويُنصف المظلوم، ويُساعد المُحتاجين، ويُعامل رعيّته بِكُلّ رفق وشفقة، كما أنّه يكونُ وقّافاً عند دين الله -تعالى- قي فعله وتركه، ويكونُ عالماً بالحقّ، وعاملاً به، مُراعياً لحقّ الله -تعالى- في نفسه، عادلاً بين رعيّته، وقال الإمام الغزاليّ: إنّ الإمارة والخلافة من أفضل العبادات إذا كانت مقرونة بالعدل والإخلاص، فيرفعُ الله -تعالى- دعوة الإمام العادل ويستجيبها له.
المظلوم
جاء في الأحاديث الصحيحة أنّ دعوة المظلوم لا تُردّ ومُجابةٌ عند الله -تعالى-، وليس بينها وبين الله -تعالى- حجابٌ أو مانعٌ، حتى وإن كان المظلوم فاجراً؛ وذلك لأنّ فُجوره عائدٌ على نفسه، ومن ذلك قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّهَا ليسَ بيْنَهَا وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ)، وقال أبو الدّرداء: إنّها تُرفع إلى السماء وتُفتح لها أبوابها، واختصّ الله -تعالى- دعوة المظلوم؛ لاختصاصها عن غيرها من الأدعية بالمزيد من القبول، وتفتُح أبواب السماء لها، وذلك للانتقام من الظّالم وإنزال العذاب عليه، وفيه حثٌ للمسلم بأن يبتعد عن الظُّلم، وأن يُعامل غيره بالعدل والإنصاف.
رواية أخرى للثلاثة الذين لا ترد دعوتهم
وردت رواية أخرى ضعيفة عن الثلاثة الذين لا ترد دعواتهم، وذُكر في المقدمة، وهو: (ثلاثُ دعواتٍ مُستجاباتٌ لا شكَّ فيهِنَّ: دعوةُ الوالدِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ المظلومِ)؛ وبيانُ هذه الأصناف فيما يأتي:
- دعاء الوالد لولده: ولم يذكر الحديث الوالدة؛ لأنّ حقّها أعظم فدعاؤها أولى بالاستجابة، وبما أنّ دعوة الوالدين لأولادهما مُستجابة، فكذلك هي دعوتهما عليهما، ولمّا حرّم الإسلام عُقوق الأمّهات؛ كان المقصود كِلا الوالدين، وقيل: لم يرد ذكر الأُم؛ لأنّ دعوتها على أبنائها غير مُستجابة، لأنّها تُريد رحمته ولا تقصد الدُّعاء عليه.
- الصائم: وتحدّثنا عنه في الفقرات السابقة.
- المسافر: وهو الذي يترك وطنه، ودعوته مُستجابة حتّى يرجع؛ لأنّ دعوته في مقام المُحتاج والمُضطر، والله -تعالى- يستجيبُها أكثر من غيرها، كما أنّه في سفر الإنسان هناك التعب والمشقّة.
أبرز أسباب استجابة الدعاء
توجد العديد من الأسباب التي تُعين على استجابة الدُّعاء، ومنها ما يأتي:
- تحرّي الدُّعاء من الأشخاص الصالحين.
- تحرّي أكل الحلال والابتعاد عن أكل الحرام.
- الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر، وبِالمُقابل تركُهما يمنع استجابة الدُّعاء.
- الابتعاد عن الدُّعاء بالإثم وقطيعة الرّحم، ومُراعاة الأوقات التي يُستجابُ فيها الدُّعاء؛ كالثُّلث الآخير من اللّيل، وبعد الصلوات ، وعند السفر، وعند نُزول المطر، وبين الأذان والإقامة، ويوم الجُمعة، ويوم عرفة، وعند الإفطار من الصّيام، وغير ذلك من الأوقات التي ثبتت في الأحاديث الصحيحة.
- الإخلاص في الدُّعاء، لِقولهِ -تعالى-: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)، مع عدم استعجال الإجابة، واستحضار القلب أثناء الدُّعاء، والعزم في الدُّعاء؛ وذلك لِقول النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-: (إذا دَعا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، ولا يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ فأعْطِنِي، فإنَّه لا مُسْتَكْرِهَ له).
- اليقين بالله -تعالى- وباستجابته للدُّعاء، والمُسارعة إلى فعل الخيرات، والدُّعاء في جميع الأحوال، لِقولهِ -تعالى-: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).
- الإكثار من الدُّعاء في أوقات الرخاء، والإكثار من النوافل، لِقولهِ -تعالى- في الحديث القُدسيّ: (وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ).
- البدء بالدُّعاء بتمجيد الله -تعالى-، والثّناء عليه، والصلاةُ على النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-، لِقول النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-: (إذا صلَّى أحدُكُم فليبدَأْ بتحميدِ اللَّهِ تعالى والثَّناءِ عليهِ ثمَّ ليُصَلِّ عَلى النَّبيِّ ثُمَّ ليدْعُ بعدُ بما شاءَ).
- الدُّعاء للمُسلمين بظهر الغيب؛ فقد جاء في الأحاديث أنّ من دعا للمُسلمين أو لأخيه المُسلم فإن ملكاً من الملائكة يقولُ له: ولك بالمثل.