تقرير عن قيام الدولة العباسية
قيام الدّولة العباسيّة
إنّ الطّريقة التي قامت بها الدّولة العباسيّة تُعدّ طريقةً مُحدثةً في التّاريخ الإسلامي؛ أي لم يسبق أن ظهرت خلافة مسلمة بالطّريقة التي ظهرت بها الخلافة العباسيّة؛ فقد قامت الخلافة الرّاشديّة على أساس الشّورى ، وكذلك كانت خلافة الدّولة الأمويّة على الأساس نفسه بعد تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، إلّا أنّ قيام الدّولة العبّاسيّة جاء على هيئة ثورةٍ مُسلَّحة، فسالت دماء المسلمين حتّى تقوم هذه الدّولة، وهذا أمرٌ مُحدَثٌ في الإسلام.
تنظيم الدّعوة العباسيّة
في فترة حُكم الخليفة عمر بن عبد العزيز ، ساد العدل في البلاد بعد قرار الخليفة بالعدول عن اضطهاد بني هاشم، وعندما تولّى هشام الحُكم قرّب إليه عليّاً بن عبد الله بن العباس، واهتمّ به وتغافل عمّا كان يقوم به من أجل الوصول إلى الخلافة، ولم يتوقع تحوّل الخلافة إلى بني العباس، إلا أنّ بعض المؤرّخين ذكروا أنّ أول من تمنى وصول الخلافة إلى بني العباس هو علي بن العباس الذي اهتم بتأسيس دعوة، فبدأ بذلك حتّى تنتقل الخلافة إلى العباسيّين.
تسلّم تنظيم الدعوة العباسيّة السّريّة محمد بن علي العباسي بعد أن كان أبو هاشم عبد الله بن الحنفيّة هو من يقود الدعوة، وقد غيّر محمد بن علي هذه الدعوة وجدّدها؛ حيث استمر فيها بناءً على العقائد السُّنيّة وجذب العديد من الأنصار، وقد بقيت الدعوة العباسية سريّةً حتى أُعلِن عنها في عام 129هـ عندما أمر أبو مسلم الخراساني أتباعه بالتّسويد علناً؛ أي لبس السّواد، ومنذ بداية إعلان الدعوة العباسيّة بدأ القتال بين الأمويين والعباسيين بشكلٍ مُنظّم.
جاء قيام الدّولة العباسيّة بعد المعركة الشّهيرة معركة الزّاب، إلّا أنّ قيامها كان بتخطيط سريّ مُسبَق من سكّان خراسان من فرسٍ وتركٍ وكذلك عرب، وقد حصل هؤلاء على مناصب متقدّمةٍ في الدّولة، ولأنّ العباسيين لم يرغبوا بأن تكون السّلطة لأحدٍ غيرهم، تخلّصوا من كبير القادة أبي مسلم الخراساني، وكذلك من عبد الله بن العباس، وامتدّت فترة حكمهم من عام 132هـ وحتّى عام 656هـ، وكان أوّل خليفة عباسي هو أبو العباس السّفاح.
عهد الدّولة العباسيّة
اتّفق المؤرّخون على تقسيم العهد العباسي الذي استمرّ خمسمئة سنة إلى عصرين رئيسين، هما:
العصر العباسي الأوّل
يُعدّ العصر العباسي الأول عصر تأسيس للدولة العباسيّة، وبدايته كانت على يد أول الخلفاء العباسيّين أبي العباس السّفاح عام 749م. كانت هذه الفترة فترة تمكين للدولة العباسيّة، وعلى الرّغم من قوّتها في هذا العصر إلّا أنّ بعض خلفائها قد ماتوا مقتولين كما حدث عند مقتل الخليفة المتوكل عام 862م، على يدَي ابنه، وكانت هذه الحادثة نهاية العصر العباسي الأول، وقد تميّز العصر العباسي الأول بعدة مميزاتٍ، أهمّها:
- سيطرة الفرس على الجهازَين الإداري والعسكري بشكلٍ شبه كامل، هذه السّيطرة جعلت العرب يبتعدون عن العباسيين؛ لأنهم فضّلوا الفُرس عليهم وقرّبوهم إليهم؛ إذ ساعدوهم في تأسيس دولتهم.
- ظهور الوزارة في الدّولة العباسيّة، إلّا أنّها عُدَّت وزارةً ضعيفةً أمام الدولة العباسية وقوّتها، وكان الوزير يقوم بمجموعة من المهام، مثل: الإشراف على الضّرائب ، وتعيين الوُلاة، إضافةً إلى أنّه كان ينوب عن الخليفة في حكم الدولة، ويقدّم المشورة له.
- ظهور الكُتّاب؛ خاصّةً عندما اتّسعت الدولة، فكان من الضّروري إنشاء الكتّاب لتسجيل الرسائل، وكتابة أعمال الخليفة، وزادت الحاجة للكتّاب بعد تعدّد الدواوين، فأصبح لكلّ والٍ ووزير ورجل دولة كتّابٌ يساعدونهم، وكان الفرس هم من تولّوا أمور الكتّاب، ومن أهمّ كتّاب العصر العباسي الأول: يحيى البرمكي، والفضل بن الرّبيع، في عهد الخليفة هارون الرّشيد، وكذلك أحمد بن يوسف في عهد الخليفة المأمون.
- نهضة علميّة متنوعة وقويّة، وفي هذا العصر أيضاً كان اهتمام المسلمين واضحاً بالعلوم الدينيّة؛ من تفسير، وعلم قراءات، وكذلك الحديث، والفقه ، وقد ظهرت في هذا العصر مدارس فقهيّة، مثل: مدرسة الإمام مالك (أهل الحديث)، ومدرسة الإمام أبي حنيفة النّعمان (أهل الرّأي)، وتميّز هذا العصر أيضاً بالأدب من شعرٍ ونثرٍ وترجمةٍ.
العصر العباسي الثّاني
يُعدّ العصر العباسي الثّاني بداية عصر فوضى عسكريّة، وقد ظهرت فيه العديد من الدّول في المغرب العربي، وكذلك في بغداد، مثل: السّلاجقة، والبويهيين، وكان هذا العصر هو نهاية الدولة العباسيّة بعد قتل مليون مسلم من سكان بغداد، وقتل الخليفة المستعصم، ولهذا العصر عدّة مميّزات، أهمها:
- سيطرة التُّرك من جُند وقادة على الخلفاء؛ حيث أصبح الخليفة صورةً فقط، لا يوقّع إلّا على التّعليمات، وفي بعض الأحيان يُصدر أوامره حسب رأي قادته، وبذلك أصبح الحُكم في هذا العصر بعيداً عن الرّأي، وإنّما هو حكم بالسّيف، وبسبب هذه السّيطرة فقد النّاس أمنهم، وعلى الرّغم من عدم وجود قادة صالحين بشكلٍ عامٍ في الدولة، إلا أنّ هناك قادةً صالحين ظهروا على في هذا العصر، أمثال: نور الدّين زنكي، وصلاح الدين الأيوبي .
- التّرف؛ فكان عنصر المادة هو الطّاغي في المجتمع، وكانت أهمّ مظاهره: ظهور القصور العالية، والحدائق، إضافةً إلى انتشار الغناء ، واشتهاره بدلاً من الجهاد، وعلى الرّغم من موجة الفساد هذه إلّا أنّه كان هناك من يدعو إلى الزُّهد في الدّنيا، ومن أهمّ من برز في هذه الدّعوة الشّاعر أبو العتاهية.
- ازدهار الشّعوبيّة التي ظهرت مع دخول أجيال من التّرك والفرس لخدمة الدّولة، والشّعوبيّة متعصّبة للعجم ضدّ العرب ، وهذا التّعصب أدّى إلى حدوث نزاعات وعداوات بين أصحاب الدولة والعرب.
- وجود حركات انفصاليّةٍ فيه؛ هذه الحركات أنشات دويلات مختلفة في مشرق الأرض، مثل: الطّاهريّة، والسّامانيّة، وكذلك في مغربها، مثل: الفاطميّة، والطّولونيّة، والإخشيديّة.
مِن خُلفاء الدّولة العباسيّة
تعاقب على خلافة الدولة العباسيّة مجموعة كبيرة من الخلفاء، منهم:
- أبو العباس السّفاح: هو عبد الله بن محمد بن علي بن العباس، وُلِد عام 105هـ، في منطقة الحميمة في الأردن، وقد عُرِف أبو العباس بحبّه للأدب، وعُرِف أيضاً بجودِه؛ حيث ضُرِب به المثل في الجود. قضى أبو العباس على القادة الأمويين وأتباعهم عدا مؤسّس الدّولة الأمويّة في الأندلس عبد الرحمن الداخل، وقد استمرّ حُكمه للدولة العباسية مدّة أربعة أعوام.
- أبو جعفر المنصور: هو عبد الله بن محمد بن علي العباسي، وُلِد في الحميمة في الأردن عام 95هـ، وتسلّم الخلافة عام 136هـ بعد وفاة أبي العباس، وقد توفّي المنصور وهو مُحرم للحج والعمرة، ودُفِن في مكة المكرمة.
- هارون الرّشيد: هو أبو جعفر هارون الرّشيد، أشهر خلفاء الدولة العباسيّة، تولّى الخلافة من عام 170هـ وحتى عام 193هـ، وقد عُرِف عن هارون الرّشيد أنّه كان يحجّ عاماً، ويغزو عاماً، وقد كانت فترة خلافته للدولة العباسيّة فترة العصر الذهبيّ للخلافة العباسية.