تقرير عن التواضع
تعريف التواضع
يعرَّف التواضع في اللغةِ على أنَّه التذللَ والخشوعَ، أمَّا في الاصطلاحِ الشرعيِّ؛ فهو تركِ المباهاة وتجنب المفاخرةِ بالجاهِ والمالِ، والتحرزِ من الكبرِ، وكراهةُ التعظيمِ والزيادةِ في التكريمِ، والرضا بمنزلةٍ وسطيةٍ بينَ الكبرِ والضعةِ، فلا يرى الإنسانُ نفسه أفضلَ من غيره، ولا يقبل أن يضعَ نفسه بمكانٍ يُزدرى فيه فيضيع حقه، وإنَّ للتواضع عددًا لا بأس به من المرادفات، مثل: التبتُّل، والخشوعِ، والتذلل، والخضوعِ، والانقيادِ، والقنوتِ، والإذعانِ، والاستكانِ.
الحث على التواضع في الإسلام
حثَّ الشرعُ الإسلاميّ الحنيف على الاتصافِ بالأخلاقِ الحسنةِ، ومن جملةِ هذه الأخلاق خلقُ التواضع؛ حيث إنَّ النَّاس كلهم من آدم، ولا فضل لأحدٍ على غيره من البشر إلَّا بالتقوى، ومن هذا المنطلق وجبَ التواضعُ لجميعِ خلقِ الله من المؤمنين، حيث قال الله -تعالى-: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
وقد وصف الله -عزَّ وجلَّ- محبته للمتواضعينَ من خلقه، بل حتَّى أنَّه قدَّم محبته لهم على محبتهم له، وذلك في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ).
ولم يقتصر الأمرَ بالتواضع في القرآنِ الكريمِ فحسب، بل حتَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حثَّ على التواضعِ في سنته، وبيَّن أنَّ التواضعَ لا يزيد المسلمَ إلا عزًا وقربًا من الله والنَّاس، وقد دعا إلى خلقِ التواضعِ في أحاديثٍ كثيرةٍ، وفيما يأتي ذكر بعضها:
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هاهُنا ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ).
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وإنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حتَّى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ علَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ علَى أَحَدٍ).
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ، إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ).
ثمرات التواضع
إنَّ الشارعَ الحكيمَ لا يُمكن أن يحثَّ إلَّا على الفضائلِ، وعلى كلِّ ما يرجع على المجتمعِ الإسلاميِّ وعلى أفراده بكلِّ خيرٍ، ومن هذا المنطلق فإنَّه في هذه الفقرة سيتمُّ ذكر بعض الثمراتِ والفضائل العائدة على المجتمعِ والأفرادِ عن الاتصافِ بخلقِ التواضع، وفيما يأتي ذلك:
- إنَّ التواضعَ يُوصل المسلمَ إلى رضا الله -عزَّ وجلَّ- ويُكسبه محبته.
- إنَّ التواضعَ سبباً من أسباب قرب العبدِ من ربه -عزَّ وجلَّ- وقربه كذلك من عباد الله.
- إنَّ التواضع سببٌ من أسباب سعادةِ العبدِ في دنياه وآخرته.
- إنَّ التواضعَ سببٌ من أسباب الأمنِ من عذاب الله -عزَّ وجلَّ- ومن الفزعِ الأكبرِ كذلك.
- إنَّ التواضعَ دليلٌ على اكتساب المسلمِ الأخلاقَ الحسنةِ، وكذلك دليلٌ على حسنِ خاتمته.
- إنَّ التواضعَ سببٌ من أسباب حصول البركةِ والنصرِ في مال العبدِ وفي عمره.
صور التواضع عند الصحابة والتابعين
لقد أخبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بأنَّ قرنه والقرن الذي يليه من أفضلِ القرونِ، حيث قال: (خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)، وبناءً على ذلك يُمكن القول بأنَّ رسول الله والصحابة الكرام والتابعينَ هم خيرُ قدوةٍ للمسلمينَ، ومن هذا المنطلق سيتمُّ ذكر صورٍ عن تواضعهم، وفيما يأتي ذلك:
- تواضع النبيُّ مع أهل بيته: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متواضعًا مع أهل بيته، فلم يتوانَ عن خدمتهم، بل كان في مهنةِ أهله، فكان يخدمُ نفسه بنفسه، فيحملُ بضاعته من السوقِ بنفسه، وكان يُفلي ثوبه ويرقّعه، وكان يحلب شاته، ويعلف ناضحه، كما أنَّه كان يأكلُ مع خادمه من غيرِ تكبرٍ.
- تواضع النبيُّ مع صحابته ومشاركتهم في الأعمال: ويظهر ذلك جليًا من موقفه يومَ الخندق، حيث شارك أصحابه في نقلِ التراب من غيرِ أن يميِّز نفسه عنهم.
- تواضع عمر بن الخطاب عن دخول بيت المقدس: عند فتح بيت المقدس كان يُرافق عمرَ غلامًا له، وكان بينه وبين هذا الغلامُ مناوبةً على ركوب الدابةِ، وعند اقترابهم من الشامِ كانت نوبةُ الغلام، فركب الغلامُ ومشى عمر على الأرضِ واستقبله الماءُ، فجعلَ يخوضُ فيهِ حاملًا نعله تحت إبطه، ولا يأبه وقتها بكلامِ أمراءَ الشامِ وعظمائهم.
- تواضع عمر بن عبد العزيز مع الضيف: كان عمرُ ذات ليلةٍ يكتبُ شيئًا، فكاد السراج أن ينطفئ، وكان عنده ضيف، فطلب الضيفُ أن يقومَ بإصلاحِ السراجِ، فلم يقبل عمر بذلك، فطلب الضيف أن ينادي على الغلامِ ليصلحَ السراجَ، فلم يقبلْ عمر بذلك أيضًا، وقامَ هو بإصلاح السراج بنفسه.