تفسير قصة أهل الكهف
تفسير قصة أهل الكهف
سبب نزول قصة أهل الكهف
ورد في سبب نزول قصة أصحاب الكهف أنَّ قبيلة قريش بعثت عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث إلى يهود المدينة؛ حتى يسألوهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن صفته؛ لما عندهم من علم بالأنبياء وبالكتب السماوية السابقة ولمّا وصلوا إلى المدينة والتقوا بأحبار اليهود ووصفوا لهم حال النبيّ محمّد -عليه السلام-، قال الأحبار: سلوه عن خبر فتية الكهف وعن الرجل الذي طاف في مشارق الأرض ومغاربها وعن الروح ، فإن أجاب فهو نبيّ مرسل، وإن لم يُجب فهو يتكلّم بغير الحقّ؛ فعاد عقبة والنضر بهذه الأسئلة الثلاث إلى قريش؛ فجاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وسألوه، فقال لهم: "سأجيبكم غداً" ولم يقل "إن شاء الله"؛ فجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- خمس عشرة ليلة لا يأتيه فيها الوحي، وقد ذكره أهل مكّة بسوء؛ فأنزل الله -تعالى- سورة الكهف فيها الإجابة الكاملة على الأسئلة وفيها معاتبة للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
قصّة أهل الكهف
أصحاب الكهف هم فتية مؤمنون أنزل الله -تعالى- سورة سميت باسمهم، وقد واجه هؤلاء الفتية قومهم الذين رفضوا التوحيد واتّخذوا من عبادة الأوثان والشرك بالله -تعالى- ديناَ لهم؛ فكان في خبرهم ما هو خارقٌ للعادة، ممّا دفع قريش للتعجب، قال -تعالى-:(أَم حَسِبتَ أَنَّ أَصحابَ الكَهفِ وَالرَّقيمِ كانوا مِن آياتِنا عَجَبًا)، وليست قصة أصحاب الكهف أعظم آيات الله -تعالى-، وإنّما له من الآيات والمعجزات ما هو أعظم، وقد أضاف الله -تعالى- الفتية إلى الكهف باعتباره المكان الذي ناموا فيه. وقد لجأ الفتية الموحّدون إلى الكهف وهم يطلبون من الله -تعالى- العون واللطف، قال -تعالى-: (إِذ أَوَى الفِتيَةُ إِلَى الكَهفِ فَقالوا رَبَّنا آتِنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً وَهَيِّئ لَنا مِن أَمرِنا رَشَدًا) وما أن دخلوا إلى الكهف حتى ألقى الله -تعالى- عليهم النوم الثقيل مدّة طويلة من الزمن؛ لحكمة عظيمة أرادها الله -تعالى-.
ولمّا انتهت هذه المدة واستيقظوا وعلموا بالذي حدث أيقنوا بكمال قدرة الله -تعالى-، ومما يظهر للناظر في عمر هؤلاء الفتية أنَّ الشباب هم الأكثر قبولاً للحقّ من الكبار في السنّ، وقد ورد عن ابن كثير أنَّهم كانوا في فترة ما قبل مجيء المسيح عيسى -عليه السلام-؛ لأنّ الأحبار كانوا يذكرونهم كثيراً، وقد ثبت هؤلاء الفتية وعلموا أنَّ عبادة غير الله -تعالى- ابتعاد عن الحق ، وقد ظهر لطف الله -تعالى- بهم في أنَّ الملك الظالم قام بدعوتهم إلى عبادة الأصنام وعندما رفضوا أمهلهم حتى يرجعوا عن توحيدهم؛ ففرّوا بدينهم واختاروا العزلة الماديّة بالفرار بأبدانهم، والعزلة المعنويّة بالفرار بعقيدتهم، وقد لجؤوا إلى كهف كانت الشمس إذا طلعت عليه تميل إلى اليمين؛ وإذا غربت تميل إلى الشمال؛ فلا تؤثّر بهم في طلوعها وغروبها مع أنَّ الكهف معرَّض للشمس، ولو نظر أحدٌ إليهم وهم نيام لفرَّ هارباً، لِما ألقاه الله -تعالى- عليهم من الهيبة والوقار، ولمّا استيقظوا كانوا جياعاً؛ فذهب أحدهم بقطعة من النقود ليلتمس طعاماً جيّداً يَسد جوعهم على ألّا يشعر به أحد، فيُكشف أمرهم.
وأراد الله -تعالى- أن يُطلع الناس على حالهم؛ ليوقن أهل مدينتهم أنّ الله -تعالى- قادر على إحياء الموتى من قبورهم للبعث والحساب، ولمّا علِم الناس بحالهم وجاؤوا إليهم، أوصى بعضهم بعضاً بدينهم، فأماتهم الله -تعالى- وتنازع الناس بحالهم هل هم موتى أم أحياء، قال -تعالى- في ذلك: (سَيَقولونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُم كَلبُهُم وَيَقولونَ خَمسَةٌ سادِسُهُم كَلبُهُم رَجمًا بِالغَيبِ وَيَقولونَ سَبعَةٌ وَثامِنُهُم كَلبُهُم قُل رَبّي أَعلَمُ بِعِدَّتِهِم ما يَعلَمُهُم إِلّا قَليلٌ فَلا تُمارِ فيهِم إِلّا مِراءً ظاهِرًا وَلا تَستَفتِ فيهِم مِنهُم أَحَدًا).
الدروس المستفادة من قصة أهل الكهف
يُستفاد من قصّة أصحاب الكهف في جانب الدعوة إلى الله -تعالى- تعليم الدعاة أنَّ الصبر هو عماد الدعوة؛ فأصحاب الكهف كانوا دعاة صابرين على الدعوة، وثابتين على الحق، ولو كتموا الإيمان في قلوبهم لما تعرّضوا للمساءلة من الحاكم الظالم ، كما أنَّ كل واحد منهم فرَّ بدينه وهو يعتقد أنَّه وحيد إلّا أنَّ ذلك لم يمنعنهم من الثبات على الحقّ والالتزام به، وإنَّ أكثر ما يُعين على الثبات أنَ يعلم الإنسان أنّ طريق الحقّ قد سار فيه من قبله خيرة الخلق من الأنبياء -عليهم السلام- ومن الصالحين الأخيار، وفي القصّة إشارة واضحة إلى أنَّ من استعان بالله -تعالى- فقد فلح ونجح، والخسارة كلّ الخسارة في الاعتماد على غير الله -تعالى-، كما وتظهر في القصّة أهميّة اعتزال الناس في الفتن، ولا تشترط العزلة الماديّة بالجسد؛ فقد يعتزل الإنسان بقلبه وعمله الصالح وهو بينهم.
أهمية قصص القرآن الكريم
تُعد القصص القرآنيّة أحد أهمّ الأساليب الأدبيّة التي يستخدمها القرآن الكريم لضرب الأمثال وبيان العبر، وهي تبيّن قصص الأنبياء مع أقوامهم، وأحوال الأمم السابقة، وما وقع في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما وتبرز أهميَّتها في توضيح كيفية الدعوة إلى الله -تعالى- من خلال إظهار الأُصول الثابتة في الشرائع التي أرسل الله -تعالى- بها رسله وأنزل بها كتبه، كما أنَّ في القصص القرآنيّة تخليدٌ لذكرى الأنبياء والرسل السابقين -عليهم السلام- الذين بذلوا نفوسهم في الدعوة إلى الله -تعالى-، وفيها تصديق للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيما أخبر به عمّن قبله، كما أنّ نزولها في القرآن الكريم كان فيه سلوى لقلب النبيّ -عليه السلام- وسلوى للمؤمنين المستضعفين في الأرض؛ بأنَّه مهما طال أمدُ الظلم فإنَّ الحق منتصرٌ لا محالة، وتتمتّع القصّة القرآنيّة بكونها ذات أُسلوب خاصّ يعمل على إثارة مشاعر الترقّب والخوف من أوّل القصّة إلى آخرها، وهذا ما يعطيها الطابع التربويّ؛ فهي توصل الدروس المهمّة وترسّخ الإيمان في القلوب؛ فهي ليست لمجرّد الاستمتاع والتسلية بها، وإنّما تؤخذ منها العبر والدروس.