تفسير صحيح البخاري
تفسيرات صحيح البخاري وشروحه
يُعرّف شرح الحديث بأنّه تفسير الكلام الذي يُضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبيان المقصود منه فقهاً وأحكاماً، وبيان معانيه حسب القواعد والأصول العربيّة والشرعيّة، والبحث في مسائل الإسناد ومسائله، والمصادر التي يمكن من خلالها شرح الحديث وتفسيره هي الحديث نفسه، وكلام الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- فيه، وكلام السلف ، واللُغة العربية؛ كونها لغة الحديث؛ وكُل ذلك لمعرفة المقبول منه ليُعمل به، وردّ المُخالف منه، وقد اهتمّ العُلماء وشُرّاح الحديث بكتاب صحيح البُخاري أكثر من أيّ كتابٍ آخر؛ فكان أكثر الكُتب شرحاً وتعليقاً؛ فقد بلغت عدد شُروحاته وتعليقاته إلى القرن الثالث عشر مئة وواحدٍ وثلاثين كتاباً، وقد تزيد على ذلك؛ لعدم القدرة على حصر جميع المؤلّفات في جميع العالم الإسلامي وامتداده، وأمّا أهم الكُتب التي اهتمّت بشرح صحيح البُخاري، فبيانها آتياً:
- شرح أبي نصر الداودي، وهو أوّل كتاب لشرح صحيح البخاري في الغرب الإسلامي وكان تأليفه في عام أربعمئة وخمسٍ للهجرة، ونقل عنه الإمام ابن حجر، وسمّاه الشارح.
- شرح أبو سليمان أحمد بن محمد بن خطاب البستي، في كتابه أعلام السُنن للخطابي،وكان تأليفه في عام ثلاثمئة وثمانٍ وثمانين للهجرة، وهو من الكتب العظيمة التي شرحت صحيح البُخاري ؛ لما فيه من الفوائد واللطائف، وكان سبب تأليفه؛ استجابةً منه لأهل بلخ بعد أن أنتهى من شرح سنن أبي داوود.
- شرح أبي الحسن ابن البطال المؤلّف في عام أربعمئة وتسع وأربعين للهجرة، وهو من أهل قرطبة؛ فقيه مالكيّ، وهو من الشروحات القيّمة لصحيح البُخاري، ونقل عنه ابن حجر كثيراً.
- شرح أبي محمد عبد الله بن سعد في كتابه بهجة النفوس لابن أبي جمرة الأندلسي في عام ستّمئة وخمسٍ وتسعين للهجرة، وهو كتاب مُختصر لكتابه بهجة النفوس وغايتها بمعرفة مالها وما عليها، واهتم بشرح المعاني فقط، وضمنه عدد من التحقيقات العلميّة وبعض الإشارات اللطيفة.
- شرح الكوكب الدراري في شرح صحيح البخاري، لشمس الدين محمد بن يوسف بن علي الكرماني، الذي ابتدأ تأليفه في عام سبعمئة وستٍ وثمانين للهجرة، وانتهى من تأليفه عام سبعمئة وخمس وسبعين للهجرة، واهتمّ فيه بشرح الألفاظ اللغويّة والأعراب، وضبط السند والمتن، والتوفيق بين الأحاديث المُتعارضة ظاهرياً.
- شرح فتح الباري بشرح صحيح البُخاري، للإمام الحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني، المُؤَلَف عام ثمانمئة واثنين وخمسين للهجرة، واهتم فيه بشرح الفوائد الحديّثية، والاستنباطات الفقهيّة، والفوائد البلاغيّة والأدبيّة، وذكر الأحاديث التي ذُكرت في نفس الباب مع بيانه لمرتبتها من الصحّة، وشرح ما يتعلق منها بصحيح البخاري، وقد وضع في مُقدمة كتابه بيانه لمنزلة كتاب صحيح البُخاري وتراجمه، والأحاديث المُنتقدة عليه ورجالها والرد عليهم، وطُلب من الإمام الشوكاني عام ألفٍ ومئتين وخمس وخمسين للهجرة أن يشرح صحيح البُخاري؛ فقال: لا هجرة بعد الفتح؛ لمكانة الكتاب عند العُلماء وعلو شأنه.
- شرح عمدة القاري، للعلّامة بدر الدين محمود بن أحمد العيني، عام ثمانمئة وخمس وخمسين للهجرة، واهتمّ فيه بالأحكام الفقهيّة والآداب، وبيان وجوه اللُغة والإعراب والمعاني والبيان، وتخريج الأحاديث وذكر من خرّج الحديث من أصحاب الكُتب، واعتمد فيه طريقة السؤال والجواب، وبدأ بتأليفه عام ثمانمئة وواحد وعشرين للهجرة وانتهى منه عام ثمانمئة وسبع وأربعين للهجرة.
- شرح إرشاد الساري إلى صحيح البُخاري المُؤلَّف عام تسعمئة واثنين وعشرين للهجرة، للإمام شهاب الدين بن محمد الخطيب القسطلاني، واعتمد فيه على شرح ابن حجر فتح الباري، وشرح عمدة القاري للعيني.
- شرح أبي الحسن بن عبد الهادي السندي عام ألف ومئة وثمانٍ وثلاثين للهجرة ، واقتصر فيه على شرح الغامض والمُشكل منه، ووضع فيه بعض الفوائد اللغويّة والحديثيّة.
وهُناك بعض الشروح التي لم تتمّ؛ كشرح النووي، وشرح ابن كثير، وشرح ابن رجب الحنبلي.
عناية الأمة بصحيح البخاري
حظي كتاب صحيح البُخاري بعنايةٍ كبيرة عند الأُمّة وعُلمائها، وقد نُقل إلينا عبر جميع العصور بأيدٍ أمينة، سواءً من حيث السماع أو الإجازة، أو المُناولة، والتمييز بين النُسخ، والاختلاف بينها، والإشارة إلى بعض الأخطاء من النُسّاخ، ومن هذه الروايات؛ رواية أبي ذر عبد الله بن أحمد الهرري الحافظ، ورواية ابن السكن أبو علي سعيد بن عثمان الحافظ، ورواية الأصيلي أبو محمد عبد الله بن إبراهيم، وكُلها عن طريق الفربري، ورواية النسفي أبو إسحاق إبراهيم بن معقل عن البُخاري، كما اهتمّ العُلماء بضبط رواياته وتحريرها؛ كالحافظ شرف الدين علي بن محمد اليونيني، وقصد بهذا العمل تيسيره للانتفاع به، كما اهتموا بشرحه وبيان معانيه، وضبط أسماء رواته، وكلام العُلماء عنهم من حيث الجرح والتعديل، ومن ذلك كتاب الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد لأبي نصر أحمد بن محمد الكلاباذي، واهتمامهم به من حيث الشرح؛ كشرح التوشيح على الجامع الصحيح لجلال الدين السيوطي.
التعريف بصحيح البخاري
يُعدّ كتاب صحيح البُخاري الذي يُسمّى الجامع الصحيح المُسند المُختصر من حديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وسُننه وأيّامه، وهو أصحّ كتابٍ بعد القُرآن الكريم كما قال عنه الإمام النووي، فهو من أصحّ الكُتب وأكثرها معرفةً وفوائد، وكان الإمام مُسلم يستفيد من كتاب البُخاري، وجاء عن الإمام الحافظ الذهبي قوله: إنّ أجلّ كتاب وأفضلها بعد القُرآن كتاب صحيح البُخاري، وجُعل كتاب البخاري بهذه المكانة؛ لأنّ البخاري اعتنى فيه واهتمّ فيه أشدّ اعتناء؛ فقد قال الفربري عنه: إنّه ما وضع حديثاً في كتابه إلّا بعد أن يغتسل ويُصلّي ركعتين، وجاء عن أبي جعفر العقيلي أنّ الإمام البخاري لما انتهى من تأليفه عرضه على أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني؛ فاستحسنوه وشهدوا له بصحّته.
ومما زاد في مكانة صحيح البخاري الشروط التي وضعها البخاري لقبول الحديث ووضعه في كتابه وهي أن يكون مُتّصل السند، وأن يكون راويه مُسلماً وصادقاً، غير مُدلّس أو مُخلّط، وأن يكون مُتّصفاً بصفات العدالة والضبط والحفظ، صحيح العقيدة، سليم الذهن، بعيداً عن الوهم، وقال البخاري عن كتابه: لم أُخرّج فيه إلّا الصحيح ، وما تركته من الصحيح أكثر، وذلك حتّى لا يُصبح كتابه كبيراً جدّاً، وليس لأنّه ترك الهدي النبويّ الصحيح، وإنّما ترك ما لم يكن على شرطه وإن كان صحيحاً.