تفسير سورة قريش للسعدي
تفسير السعدي لسورة قريش
المقطع الأول من السورة
قال السعدي: "قال كثير من المفسرين: إنَّ الجار والمجرور متعلق بالسورة التي قبلها؛ أي: فعلنا ما فعلنا بأصحاب الفيل لأجل قريش وأمنهم، واستقامة مصالحهم، وانتظام رحلتهم في الشتاء لليمن، والصيف للشام؛ لأجل التجارة والمكاسب فأهلك الله من أرادهم بسوء، وعظَّم أمر الحرم وأهله في قلوب العرب، حتى احترموهم، ولم يعترضوا لهم في أي: سفر أرادوا، ولهذا أمرهم الله بالشكر".
ويقصد السعدي أنَّ لام الجر في أول جملة (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ)، والاسم الذي بعدها ينبغي أن يتعلقان بفعل جاء ذِكره أو سيجيء؛ فعند علماء النحو ينبغي أن يتعلق الجار والمجرور بفعلٍ، أو بما يشبه الفعل، أو ما هو بمعناه، وقد وافق السعدي في رأيه بأنَّ الجار والمجرور يعودان لمعنى موجود في السورة السابقة -وهي سورة الفيل - عدد من المفسرين، وبيان ذلك كما يأتي:
- الفراء
قد يقول القائل: كيف ابتدئ الكلام بلامٍ ليس بعدها شيء؟، الجواب: كانت موصلة بـ(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ)، وذلك أنه -سبحانه وتعالى- ذكَّر أهل مكة عظيم النعمة عليهم فيما صنع بالحبشة، ثم قال: (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ)، أيضاً، كأنه أضاف ذلك إلى نعمته عليهم في رحلة الشتاء والصيف ، فتقول: نعمة إلى نعمة، ونعمة لنعمة، سواء في المعنى.
- الزمخشري
هو متعلق بما قبله، أي فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش، وهذا بمنزلة التضمين في الشعر؛ وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقاً لا يصح إلا به.
- البغوي
اللام في (لإِيلاَفِ) تتعلق بالسورة التي قبلها، وذلك أنَّ الله -تعالى- ذكَّر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما صنع بالحبشة، وقال: (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ)، وقال الزجاج: المعنى جعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش، أي يريد إهلاك أهل الفيل لتبقى قريش وما ألِفوا مِن رحلة الشتاء والصيف.
- البقاعي
أي أنه -سبحانه وتعالى- فعل ذلك بأصحاب الفيل، ومنعهم عن بيته وحرمه؛ لانتظام شمل قريش ، وليؤلفهم بهاتين الرحلتين، فيقيموا بمكة، وتأمن ساحتهم.
المقطع الثاني والأخير من السورة
قال السعدي: "(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ)؛ أي ليوحدوه ويخلصوا له العبادة، (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)؛ فرغد الرزق والأمن -مِن المخاوف- مِن أكبر النعم الدنيوية، الموجبة لشكر الله -تعالى-؛ فلك اللهم الحمد والشكر على نعمك الظاهرة والباطنة، وخص الله بالربوبية البيت لفضله وشرفه، وإلا فهو رب كل شيء".
وهنالك مَن ربط بين الإطعام من جوع والأمن من خوف بتعريف مختلف لمصطلح الإيلاف؛ وهو: عهد أمان مكتوب في كتاب يُسمَح فيه لقريش بالتجارة بدون أن يعترضهم أحد، وذكر المؤلف جواد علي قصة ذلك الكتاب: أنَّ قيصر جلس مع هاشم بن عبد مناف وأعجب به.
ولما رأى هاشم نفسه قد تمكَّن عند قيصر ، قال له: "أيها الملك، إن قومي تجار العرب، فإن رأيت أن تكتب لي كتابًا تؤمِّن تجارتهم، فيقدِموا عليك بما يستطرف من أدم الحجاز وثيابه، فتباع عندكم، فهو أرخص عليكم".
ويضيف جواد علي: أنَّ قيصر وافق على ذلك؛ فكتب له كتاب أمان لِمن يقدم منهم، فأقبل هاشم بذلك الكتاب، فكلما مرّ بحيّ من العرب بطريقه إلى مكة، عقد معهم عقدًا على أن تقدم قريش إليهم ما يرضيهم من بضائع وهدايا تؤلف بينهم وبين قريش، فكان الإيلاف.
ولما وصل إلى مكة، كان هذا الإيلاف أعظم ما جاء به هاشم إلى قريش، فخرجوا بتجارة عظيمة، وخرج هاشم معهم يجوزهم، يوفيهم إيلافهم الذي أخذ من العرب، حتى أوردهم الشام وأحلهم قراها، فكان ذلك بدء إيلاف قريش.
تسمية السورة عند السعدي
سماها السعدي: "سورة لإيلاف قريش"، وهذا الاسم غير مشتهر في كتب التفسير التي بين أيدينا، كما أن جلال الدين السيوطي لم يذكرها من السور التي لها أكثر من اسم في كتابه: الإتقان في علوم القرآن؛ ولكنه أطلق عليها اسم: "سورة لإيلاف قريش"، مع أن جلال الدين السيوطي نفسه سماها في تفسيره الدر المنثور: "سورة قريش".
علماً بأن ابن كثير عنون بداية السورة الكريمة بقوله: "تفسير سورة لإيلاف قريش"، ثم عنون اسمها في آخر تفسيره لها: "آخر تفسير سورة لإيلاف قريش"، وهذا الاسم موجود في بعض كتب الصحاح والسنن؛ فمثلاً: في صحيح البخاري نجده قال: "سُورَةُ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ".
ونفسه في سنن سعيد بن منصور، وورد في تفسير زاد المسير: "ويقال لها سورة الإيلاف"، وفي تفسير حدائق الروح والريحان: "ويقال لها: سورة لإيلاف قريش".